محمد أنور يكتب: السيرة النبوية المختصرة ( محمد صلى الله عليه وسلم).. (3من6)
![محمد أنور](https://bayan-gate.com/wp-content/uploads/2024/12/63-780x470.jpg)
بيان
رسالة النبي محمد بن عبد الله “صلى الله عليه وسلم” في الأولين والآخرين كانت أخطر ثورة عرفها العالم للتحرر العقلي والمادي، وأجمل ما يُقال عن معجزات النبي الأمي الحبيب، العالي القدر، العظيم الجاه، صلى الله عليه وسلم، أنه كان بلا معجزة، بلا معجزة سوى تحرير العقل، بلا خوارق سوى إطلاق الفكر، بلا دليل غير كلمات الله. لقد دعا عيسى بن مريم، عليه السلام، إلى المساواة والأخوة والحب، أما محمد، صلى الله عليه وسلم، فوفق إلى تحقيق المساواة والأخوة والحب بين المؤمنين أثناء حياته وبعدها. وعلى حين أحيا عيسى بن مريم، عليه السلام، الموتى وأخرجهم من قبورهم، أحيا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، الأحياء من موتهم الذي لا يدركونه، وذلك أقسى أنواع الموت، وأخرج الناس من ظلمة الجهل إلى طمأنينة العلم، ومن خبل الشرك والكفر إلى نور التوحيد.
كان محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، يعمل في خدمة الإسلام بدرجة جندي بسيط ووديع، وكان يعلم أنه لو غفل عن دعوته لحظة، أو استسلم جسده لإعياء الكفاح المتصل، لضاعت فرصته في نشر الإسلام وتبليغ العالمين من عباد الله، أمثالي وأمثالك، ما أراد الله أن يعرفوه عن جلال رحمته وعفوه وقوته وعظمته.
يقدم الأنبياء معجزاتهم لقومهم عند بدء الدعوة ليصدقهم القوم فيما جاءوا به، أما محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، فلم يقدم لقومه غير شخصه ونفسه وحده، وصدقه وحده، ولم يحمل السيف إلا حين اقترب السهم المسموم من قلب الإسلام وهدده، وكان هذا السيف في قبضة الإسلام كمشرط الجراحة، يشق جسم الإنسان رحمة به ورغبة في شفائه.
جاء الإسلام لكل العصور والأزمان، وكأن الله يعلم أن البشرية تدخل عصر النضج العقلي، وشاءت حكمة الله، سبحانه وتعالى، أن تكون أول كلمة في الرسالة: “اقرأ”.
تنطوي رسالة محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، على نوعية الفكر الذي تحمله، والنظام الذي تنظمه، والتشريع الذي تضعه، وإحياء الحرية والعدالة وبناء الإنسان. ولا ينقص من قدر الأنبياء والمرسلين، عليهم السلام، قبل محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، أنهم لم يُبعثوا في عصور النضج العقلي، إنما زاد في قدر محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، أنه بُعث في عصر النضج العقلي. ولقد كرَّمه الله، سبحانه وتعالى، على كل الأنبياء، عليهم السلام، حين أمَّهم في الصلاة في رحلة الإسراء والمعراج.
انطلقت الأخبار لجده عبد المطلب أن حفيده قد وُلِد، فأسرع وحمل حبيبه وحبيبنا محمدًا، صلى الله عليه وسلم، وراح يطوف به الكعبة وهو يفكر في تسميته. لم تعجبه كل الأسماء التي خطرت بباله، وطالت حيرته ستة أيام حتى تم ختانه، صلى الله عليه وسلم. فلما جنَّ عليه الليل، جاءه نفس الهاتف القديم الذي أمره بحفر بئر زمزم، وهمس له أثناء نومه: “إنه مشتق من الحمد، محمد، أو أحمد”.
سألت قريش عبد المطلب: أي اسم ستُسمي حفيدك؟
قال: محمد.
سألوه: لماذا رغبت عن أسماء آبائك وتركت أسماء أجدادك؟
قال عبد المطلب: أردت أن يحمده الله في السماء، وأن يحمده الناس في الأرض.
آواه الله، سبحانه وتعالى، وكفله جده عبد المطلب، وأدَّبه ربه فأحسن تأديبه وتربيته، وامتحنه باليتم وهو جنين، وبالجوع وهو صبي وكهل، وبفقدان الأم.