هل يرد حزب الله على اغتيال حسن نصر الله؟.. عند طلال حمية الإجابة

تقرير يكتبه: طارق صلاح الدين

بعد وقائع تشييع أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، التى حملت العديد من الرسائل، لم يعد من المستغرب أن يردد البعض السؤال التالى:
هل سيرد حزب الله على اغتيال قائده الفقيد نصر الله؟
ويردد البعض الآخر بثقة أن رد الحزب لا شك فيه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: متى يأتي الرد؟

أما رؤيتي الشخصية، فإن الحزب تحكمه مجموعة من العوامل والثوابت:

أولها:
أن الثأر لمقتل الأمين العام لا ريب في تحقيقه.

ثانيها:
أن الحزب لا يتعجل على الإطلاق الأخذ بالثأر، بل ينتظر الظرف المواتي لتنفيذ الرد.

ثالثها:
أن رد الحزب لا يرتبط بمكان أو أشخاص أو كيانات محددة، بل سيتم اختيار الهدف في أي مكان في العالم، وليس بالضرورة أن يتم الأمر في الشرق الأوسط.

رابعها:
أن الهدف لا بد أن يكون متعادلًا تمامًا مع مكانة حسن نصر الله وعلى نفس قاعدته الاستراتيجية.

الوحدة 910

ووسط كل هذه الاعتبارات، تطل وحدة الظل داخل حزب الله، وهي الوحدة 910، المصنفة بأنها الجهة الأخطر على إسرائيل.

وهذه الوحدة قادرة على تنفيذ عمليات انتقامية كبيرة ضد أهداف إسرائيلية حول العالم، وسبق لها تفجير مقر السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس عام 1992، ومركز الجالية اليهودية في الأرجنتين عام 1994، في إطار الرد على اغتيال السيد عباس الموسوي، الأمين العام الأول لحزب الله، الذي نجحت إسرائيل في اغتياله عام 1992.

وشهد عام 2012 تنفيذ الوحدة 910 تفجيرًا انتحاريًا على حافلة تقل إسرائيليين في بلغاريا.

ويتم انتقاء أعضاء هذه الوحدة بعناية فائقة، ويخضعون لتدريبات مكثفة ومعقدة، سواء على المستوى الأمني أو التكتيكي أو اللوجستي، وغالبًا ما يحملون جنسيات أجنبية إلى جانب جنسياتهم الأصلية.

وشهد عام 2008 نموًا كبيرًا في نشاط هذه الوحدة بعد اغتيال أهم قيادي في حزب الله، وهو عماد مغنية، الذي تولى تأسيس وقيادة الوحدة لفترة طويلة.

وتُعتبر الوحدة 910، أو “الوحدة السوداء”، إحدى أهم وأخطر وحدات منظومة الأمن الخارجي للحزب، ويصنفها الكثير من المحللين داخل المجتمع الإسرائيلي بأنها وحدة استخباراتية وقتالية في وقت واحد، وتعمل بنظام شبكي عنقودي متكامل.

وخضعت هذه الوحدة في فترة من الفترات لإشراف مباشر من الأمين العام، حسن نصر الله، لأهميتها البالغة، كما تولى الحرس الثوري الإيراني تدريب أغلب عناصرها.

ودأب الحزب على تشكيل ساتر لهذه الوحدة عن طريق استثمارات خارجية تؤمّن النشاط السري للوحدة، وترتبط بالعديد من الجهات المؤيدة لإيران في مختلف أنحاء العالم. ودوماً، تكون أهدافها الاستراتيجية بعيدة المدى، وتستغرق مدى زمنيًّا طويلًا لتنفيذها.

أبو جعفر.. القائد

ويُعتبر طلال حمية، الملقب بـ”أبو جعفر”، القائد التنفيذي للوحدة 910، ويمثل صداعًا مؤلمًا لكافة الأجهزة الإسرائيلية العسكرية والأمنية والاستخباراتية، حتى وصل الأمر إلى إطلاق لقب “الشبح” عليه، نظرًا لعدم وجود أوراق رسمية ثبوتية موثقة تدل على شخصيته، علاوة على الإجراءات الأمنية المشددة التي يتبعها، مع التغيير اللحظي لتحركاته وإلغاء مساراته في اللحظة الأخيرة، حتى دون علم أقرب حراسه الشخصيين بهذا التغيير المفاجئ.

ولا توجد صور حديثة لطلال حمية، وأرشيفه المصور يتضمن صورة واحدة له في بداية حياته، عندما عمل موظفًا إداريًّا في مطار بيروت.

وبعد انخراطه في صفوف حزب الله، عمل كمسؤول أمني للحزب في مخيم برج البراجنة، ونجح في تجنيد العديد من العناصر التي أصبحت قيادات ميدانية للحزب.

ومنذ ذلك الحين، بدأ في اتباع الطابع السري المشدد حتى لفت انتباه عماد مغنية، أحد أبرز قادة المؤسسة العسكرية للحزب، ونال ثقته التامة حتى أصبح النائب الثاني لمغنية في شبكة “الجهاد”، وهي وحدة البعثات الخاصة والعمليات الخارجية لحزب الله، بعد النائب الأول مصطفى بدر الدين.

وبعد اغتيال مغنية في دمشق عام 2008، تولى ساعده الأيمن، مصطفى بدر الدين، قيادة الوحدة 910، وتم على الفور اختيار طلال حمية نائبًا له.

ورغم مرافقة طلال حمية لعماد مغنية في رحلته الأخيرة إلى دمشق، إلا أنه نجا من محاولة اغتياله مع مغنية، نظرًا لتغيير تحركاته في اللحظة الأخيرة، حيث تخلف عن مرافقة مغنية في سيارته التي تم تفجيرها.

ونجح طلال في تنفيذ هجوم في العاصمة التايلاندية بانكوك ضد إسرائيليين، انتقامًا لمقتل مغنية.

وفي عام 2016، تولى طلال قيادة الوحدة بعد اغتيال مصطفى بدر الدين في سوريا، بالقرب من مطار دمشق، في قصف مدفعي قامت به الجماعات الجهادية في سوريا.

ومنذ ذلك الحين، انقطعت تمامًا أخبار طلال حمية، ويتردد أنه كان يتلقى تعليمات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، عبر سلسلة بالغة التعقيد من سُعاة البريد، الذين يخضعون لرقابة صارمة وإجراءات أمنية مشددة. ويقوم طلال بإبلاغ تعليماته لقيادات الوحدة 910 بنفس الطريقة العنقودية المعقدة، بعيدًا عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فهو لا يستعمل على الإطلاق الهواتف المحمولة ولا التقنيات الحديثة، خوفًا من الاستهداف، ويحيط نفسه بهالة ضخمة من السرية الشديدة.

دور إيران

وتعتمد الوحدة 910 على سفارات إيران وقنصلياتها في نقل الأسلحة وتقنيات الاتصال وترتيب العمليات الاستخباراتية والهجمات الميدانية.

ونظرًا للمكانة العالية التي وصل إليها طلال حمية، تم اختياره كضلع ثالث إلى جوار قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وحسن نصر الله، الأمين العام للحزب، لتسليح محور المقاومة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.

ويستخدم طلال حمية شركات وهمية، وجوازات سفر مزورة، وإمكانات بشرية ضخمة في العديد من دول العالم.

ولا يعلم أحد شكله أو اسمه الذي يتحرك به، ولا جنسية جواز سفره.

وترصد الولايات المتحدة الأمريكية مكافأة مالية تُقدَّر بسبعة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن طلال حمية، الذي تتهمه المخابرات الأمريكية باستهداف مقر القوات الأمريكية في بيروت عام 1982، بشاحنة مفخخة محملة بعشرات الأطنان من المتفجرات والوقود، مما أدى إلى مقتل 241 عسكريًّا أمريكيًّا.

اسمه الحقيقى ومسقط رأسه

وطلال حمية لا يعرف أحد تاريخ ميلاده الحقيقي، ولا مكان ولادته، ولا حتى اسمه الحقيقي، حيث يحمل اسمين إلى جوار اسم طلال حمية، وهما طلال حسني وعصمت ميزراني.

ويتردد أنه من مواليد 1952، 1958، و1960، وأنه وُلِد في طاريا بـ بعلبك، وفي سجد بجنوب لبنان.

يُعتبر طلال حمية الناجي الوحيد من عملية اغتيال حسن نصر الله وعشرين قيادة رفيعة في حزب الله، على رأسهم علي كركي، قائد جبهة جنوب لبنان، حيث أعلنت إسرائيل أن طلال حمية لم يحضر هذا الاجتماع في اللحظات الأخيرة لأسباب غير معلومة، بعد أن أكدت المعلومة الذهبية الاستخباراتية وجوده مع حسن نصر الله في الاجتماع الذي استهدفته المقاتلات الإسرائيلية بعشرات الأطنان من المتفجرات.

التجارب السابقة

وفي رأي كاتب هذه السطور، فإن الأمر المؤكد هو استغراق تنفيذ عملية الانتقام لمقتل حسن نصر الله وقتًا طويلًا، نظرًا لتغير الطبيعة الهيكلية للحزب وتعذر التنسيق السريع بين الأمين العام نعيم قاسم وطلال حمية، في وقت تنشط فيه بشدة المخابرات الأمريكية والموساد، وكذلك صعوبة التخطيط والتنفيذ في هذه الظروف الصعبة.

لكن التجارب السابقة تؤكد أن الثأر قادم لا محالة عن طريق الوحدة 910، بعد الضربات المزلزلة التي تعرضت لها وحدة الرضوان. ولا يستطيع أحد التكهن بموعد ومكان وطبيعة عملية الانتقام لمقتل أرفع قيادات حزب الله على الإطلاق.

ومفتاح السر يملكه شخص واحد، وهو طلال حمية، الذي يحمل العبء الأكبر في تدبير وتنفيذ هذا الانتقام الضخم هذه المرة، والذي لا يعني حسن نصر الله وحده، بل يشمل كافة قيادات الحزب، وعلى رأسهم إبراهيم عقيل ووسام الطويل وغيرهم الكثيرون.

جنازة حسن نصر الله
جنازة حسن نصر الله

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى