الشرع.. العرض يجب أن يستمر

كتب: أشرف التهامي
لقد شغل الشرع منصب الرئيس “المؤقت” لسوريا منذ الهجوم الذي شنته المعارضة المسلحة في 27 نوفمبر2024، والذي أدى إلى سقوط نظام الأسد.

ومنذ توليه السلطة، كان يروج بنشاط لصورة معتدلة وسردية الوحدة والسلام الداخلي في سوريا.
وفي حين تسارع الدول الغربية إلى الاقتناع بهذا التحول ــ رفع العقوبات عن سوريا ــ فإن الأحداث التي بدأت في السادس من مارس في شمال غرب سوريا تكشف عن شقوق في الصورة الدبلوماسية للشرع.
فبدلاً من الحوار واحترام جميع المواطنين السوريين، كان هناك قمع عنيف ووحشي للمعارضة والمدنيين الأبرياء، وخاصة استهداف الطائفة العلوية.
وتركز التغطية الإعلامية بشكل كبير على تحول الشرع من زعيم سابق لمنظمة إرهابية (مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة) إلى سياسي ورئيس دولة، مما يثير التساؤل عما إذا كانت صورته المعتدلة حقيقية.. لا شك أن الشرع يعرف كيف يلعب اللعبة، كما يرى كثير من المراقبين للحالة السورية.

جهود دبلوماسية مكثفة

وفي إطار جهود دبلوماسية مكثفة تهدف إلى إقناع الدول الإقليمية والغربية بأن الشرع يقود سوريا إلى عصر جديد من السلام والوحدة ، التقى بممثلين من الشرق الأوسط لاستعادة علاقات سوريا مع الدول الإقليمية والحصول على دعمهم.
وفي الأسابيع الأخيرة، التقى بالملك عبد الله الثاني ملك الأردن، ورئيس وزراء قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
كما حضر القمة العربية في القاهرة (4 مارس) حيث التقى بزعماء عرب مثل الرئيس ( عبد الفتاح السيسي)، والرئيس اللبناني (جوزيف عون)، وحتى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن).
وعلاوة على ذلك، فإنه في كثير من الأحيان يجرى مقابلات مع وسائل الإعلام، بما في ذلك المنافذ الغربية، حيث يحافظ على صورة تصالحية يتحدث فيها عن رؤيته لسوريا الجديدة.

الرسالة والجمهور

والشرع يعرف كيف يصمم رسالته بما يتناسب مع جمهوره، على سبيل المثال، يعبر عن دعمه للفلسطينيين عند لقائه بمحمود عباس، ولكنه يعلن أن سوريا ليست معادية لإسرائيل ولا تابعة لحزب الله عند تناوله لوجود قوات الاحتلال الإسرائيلية في جنوب سوريا.
وفي تصريحاته العامة، أكد مراراً وتكراراً على أهمية الحفاظ على وحدة أراضي سوريا ورفض التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية.
ويحاول الشرع أيضاً أن يبرز صورة معتدلة على المستوى المحلي، بهدف إظهار أنه مختلف عن النظام السابق ويحترم جميع المواطنين السوريين. وكجزء من جهوده لتوحيد الفصائل، عقد مؤتمر للحوار الوطني في فبراير 2025، بهدف تقديم توصيات سياسية للنظام الجديد.
وفي حين دعم المؤتمر بالتأكيد الرسالة التصالحية التي يروج لها الشرع، فإن توصياته كانت غير ملزمة، وتم استبعاد الممثلين الأكراد. ولم يحضر كثيرون آخرون بسبب الإعلان عن المؤتمر قبل يومين فقط.
بعد تصاعد التوترات مع الطائفة الدرزية، التقى الشرع مع زعماء الطائفة للوصول إلى تفاهمات وتخفيف المخاوف داخل الطائفة. ويظل الشرع ملتزمًا بصورته كزعيم منتبه لجميع الفصائل في المجتمع السوري، ويحل الأزمات بالوسائل السلمية.

شخصية براجماتية

يُنظر إلى الشرع على أنه شخصية براجماتية تتكيف بسرعة مع متطلبات الواقع. ينبع هذا التصور من أفعاله السابقة، مثل قطع العلاقات مع تنظيم القاعدة الإرهابي وتأسيس هيئة تحرير الشام الارهابية أيضاً، التي وصفها بأنها “حركة وطنية سورية تقاتل الإرهاب”.
لاحقًا، عندما تولى السيطرة على محافظة إدلب، أظهر اهتمامًا بالاحتياجات المحلية من خلال تخفيف بعض القوانين المفروضة على السكان وحتى عقد اجتماعات مع ناشطين اجتماعيين. لقد فرض قراراته من خلال الإقناع والإدماج، ولكن أيضًا من خلال الإكراه عند الضرورة.
بصفته رئيسًا لسوريا، يواجه الشرع العديد من التحديات التي تتطلب الموازنة بين الاحتياجات الداخلية والعلاقات الخارجية لسوريا.
إن التحدي الداخلي الأبرز الذي يواجه النظام الجديد هو توحيد الفصائل داخل سوريا، وتثبيت حكمه، ومنع الانزلاق إلى حرب أهلية أخرى. وكما رأينا في الأسابيع الأخيرة، فإن هذا التحدي ينشأ من:
الدروز في جنوب سوريا.
العلويين في الشمال الغربي.
الأكراد في الشمال الشرقي.
والسؤال هو ما إذا كان بوسعه تحقيق ذلك دون إراقة دماء، والاعتماد فقط على الإقناع وكاريزمته الشخصية، كما وعد مراراً وتكراراً. وبناءً على الأحداث الأخيرة في شمال غرب سوريا ضد العلويين، يبدو هذا مستبعداً.
إلى أي مدى يسيطر الشرع على ما يحدث على الأرض؟
هل هذه سياسة متعمدة أم فوضى خارجة عن السيطرة، مما يشير إلى ضعف النظام الجديد؟

اتفاق تاريخي يعترف بالأكراد

في العاشر من مارس ، وقع الشرع ومظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، ما يوصف بأنه اتفاق تاريخي يعترف بالأكراد باعتبارهم “مجتمعًا أصليًا للدولة السورية”، ويضمن لهم حقوقًا سياسية ودستورية كاملة ويدمجهم في الجيش السوري.
لا شك أن هذه خطوة مضادة جديرة بثناء مشغليه لموازنة الانتقادات بشأن أحداث الأسبوع الماضي والحد من الأضرار التي لحقت بصورته كزعيم للوحدة السورية.
وهناك تحد آخر يتمثل في إعادة بناء سوريا ــ ليس فقط إعادة بناء بنيتها التحتية واقتصادها، بل وأيضاً تشكيل شخصية البلاد. فهل تصبح سوريا دولة إسلامية أم دولة مدنية ديمقراطية (كما يأمل الغرب ويتوقع)؟
إن قدرة الشرع على إعادة تأهيل سوريا تعتمد بشكل كبير على :
قدرته على حمل الغرب على رفع العقوبات المفروضة حالياً على سوريا إذا كان يستطيع رغم شكوك المجتمع الدولي وأغلبية السوريين في ذلك.

إقامة علاقات اقتصادية مع الدول الإقليمية

وليس من قبيل المصادفة أن يبذل جهوداً في عرض صورة معتدلة ومصالحة للعالم، فرفع العقوبات والدعم الدولي لسوريا مشروط بسياسات الشرع الداخلية، وخاصة حماية حقوق جميع المواطنين السوريين.
على صعيد العلاقات الخارجية.
فإن سوريا تواجه حاليا ضغوطا كبيرة، حيث يسعى العديد من اللاعبين إلى استغلال النظام الجديد وتعزيز مصالحهم في المنطقة. وتتنافس إيران وتركيا على السيطرة في سوريا، وتحاولان التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد وحتى زعزعة استقرار النظام الجديد.
ويزعم الشرع وأنصاره بالفعل أن الاشتباكات الأخيرة ناجمة عن تأثر الموالين لنظام الأسد بجهات خارجية مثل الأسد نفسه وإيران.
وتسعى روسيا إلى الحفاظ على وجودها والاحتفاظ بقواعدها العسكرية في سوريا، وهي تنخرط بالفعل في مفاوضات مكثفة مع النظام لتأمين ذلك.
من ناحية أخرى، يهدف الغرب إلى تقريب سوريا من دائرة نفوذه. وأوروبا على وجه الخصوص حريصة على تبني صورة سوريا المعتدلة، على أمل أن تسهل سوريا المستقرة والآمنة عودة اللاجئين السوريين من أوروبا. واعتبارا من أواخر فبراير 2025، بدأ الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن سوريا.
وعلى الرغم من التقارير التي تحدثت عن مجازر بحق المدنيين وسقوط ضحايا أبرياء في شمال غرب سوريا منذ السادس من مارس ، والتي كشفت عن سياسة النظام تجاه المعارضين والأقليات، فإن رد الفعل الأوروبي كان ضعيفاً ــ إذ عبر عن خيبة أمله وأصدر إدانات خافتة. ولكن العقوبات لم تُعَد، بذريعة أن الإبقاء عليها من شأنه أن يؤدي إلى انهيار سوريا كدولة.
سياسة ” إقتلهم في هدوء”.
ويبدو أن الشرع يتبع استراتيجية واضحة تتلخص في “قتلهم بهدوء”، وإذا فشل ذلك، فإنه ببساطة يقتلهم على الفور. ويبقى أمام معارضيه خيار الاستسلام طوعاً أو بالقوة.
ولا تسمح الدولة السورية الحالية للشرع بنفس الحرية لقمع معارضيه علناً كما فعل النظام السابق؛ وبالتالي فهو يحاول الموازنة بين الاعتدال، من أجل كسب الدعم الدولي، وضرورة التحرك ضد التهديدات وتعزيز حكمه.
وبينما تواصل قواته أعمال العنف الشديد في المدن الساحلية السورية، أعلن الشرع عن تشكيل لجنة تحقيق لفحص الأحداث و تقصي الحقائق وأمر بإنشاء لجنة خاصة “للحفاظ على السلام الداخلي في سوريا”، مكلفة بالاستماع إلى سكان الساحل السوري.
كما تقوم قوات الشرع، استعدادًا لممثلي الأمم المتحدة القادمين لتفقد الوضع، بتنظيف الشوارع من الجثث وغيرها من الأدلة على العنف الذي وقع.
وفي العاشر من مارس ، أصدر الشرع بيانًا عامًا قال فيه إن عمليات القتل الجماعي لأعضاء الطائفة العلوية تشكل تهديدًا لمهمته في توحيد البلاد، ووعد بمعاقبة المسؤولين، بما في ذلك حلفاؤه إذا لزم الأمر.
والهدف بالطبع هو الحفاظ على صورته كزعيم تقدمي ومعتدل بين أنصاره داخل وخارج سوريا، مع القضاء بلا رحمة على معارضيه.

في الصورة: قوات سلطة الامر الواقع المؤقتة تنظف شوارع المدن الساحلية بعد الأحداث العنيفة 
قوات سلطة الامر الواقع المؤقتة تنظف شوارع المدن الساحلية بعد الأحداث العنيفة

بينما يبدو الغرب مفتوناً بالشرع، فإن إسرائيل ترى ثلاثة عوامل مهمة في تقييم التهديد الذي يشكله النظام الجديد:
كيف سيتصرف النظام الجديد في جنوب سوريا، وهل سيمنع تسليح الميليشيات التي قد تشكل تهديداً لسكان الحدود في شمال إسرائيل؟

الموقف من إسرائيل

ما هو موقف الشرع من إسرائيل: الوضع الراهن، التطبيع، أو العدوان؟، مع من سيعقد النظام الجديد تحالفات؟ تركيا، السعودية، روسيا (أو ربما حتى إحياء العلاقات مع إيران على أساس مصالح مختلفة)، أم أنه سيميل أكثر نحو الغرب؟
فيما يتعلق بإسرائيل.
أعرب الشرع عن معارضته لوجود جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب سوريا، مشيراً إلى أن النظام الجديد ليس معادياً لإسرائيل ولا يسعى إلى تدميرها.
كما أشار إلى أن سوريا تحترم اتفاقية 1974 وهي مستعدة لقبول قوات الأمم المتحدة وحمايتها. ولكن كما ثبت هذا الأسبوع، يتحدث الشرع عن الاعتدال والسلام بينما يتصرف بعنف ضد أولئك الذين يهددون حكمه.
إن سوريا ليست في وضع يسمح لها بمهاجمة إسرائيل بشكل مباشر؛ وبالتالي، فهي تتسامح مع وجود جيش الاحتلال الإسرائيلي وتقتصر على الإدانات.

ولكن هذا لا يعني أن التهديد قد اختفى ــ سواء من جانب الجماعات المعادية التي قد تنشئ نفسها في جنوب سوريا على الرغم من النظام الجديد أو بدعم منه، أو من جانب عناصر النظام الجديد التي قد تتبنى في وقت لاحق موقفاً عدوانياً كما تدعي إسرائيل .
و يروج خبراء إسرائيليون أنه إذا استمر المجتمع الدولي في شراء واجهة الشرع، فإن الخطر يكمن في زيادة الضغوط الدولية على إسرائيل، وحثها على الانسحاب من المنطقة العازلة التي أنشأتها في جنوب سوريا ــ وهي المنطقة الحاسمة للحفاظ على أمن إسرائيل في الوقت الحاضر.
كما تؤكد إسرائيل إن التحدي الذي يواجهها هو إقناع الدول الغربية، وخاصة حلفائها، بأن صورة الشرع المعتدلة وتصريحاته لا يمكن الوثوق بها، وأنه من الضروري الانتظار ومراقبة ما سوف تكون عليه سياسات النظام الجديد الفعلية، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

…………………………………………………………………………………………
المصادر /

https://www.maarachot.idf.il/30547
https://www.npr.org/2025/02/20/nx-s1-5290093/the-new-head-of-syria-has-governed-before-heres-what-his-leadership-looked-like
https://www.reuters.com/world/middle-east/new-syrian-leader-sharaa-says-killings-alawites-threaten-unity-vows-justice-2025-03-10
https://www.washingtonpost.com/world/2025/03/10/syria-sharaa-kurds-alawites

طالع المزيد:

أحمد الشرع يرد على اتهامات وزير دفاع إسرائيل له بـ “الارهابي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى