د. هانى سري الدين يكتب: ثورة 1919 في عيون العالم

تبدو ثورة 1919 بعد أكثر من مئة عام نُقطة تحول عظيمة وفارقة فى مصر المعاصرة، إذ تُؤرخ لميلاد الحداثة، وتؤسس لصياغة مفهوم الوطنية المصرية بشكل واقعى، وعملى بعيدا عن العبارات الرنانة والشعارات الأدبية.

لقد دفعت هذه الثورة الفريدة، أقوى إمبراطورية فى العالم فى ذلك الوقت، وهى بريطانيا، إلى التراجع والخضوع وإلغاء الحماية على مصر، والاعتراف باستقلالها ولو شكليا سنة 1922، كما دفعتها للسماح بأول انتخابات حرة يُعبر فيها المصريون عن آرائهم فيمن يُمثلهم لتولد أول حكومة مصرية تحمل اسم حكومة الشعب برئاسة سعد زغلول. وأجبرت الثورة، الدولة الاستعمارية العتيدة على بدء التفاوض لاستقلال مصر، وهو ما طال عقودا، وصولا للتحرر التام بمعاهدة الجلاء سنة 1954.
لم تكن ثورة 1919 نموذجا للنضال من أجل الحرية فى مصر وحدها، ولم تكن مجرد بداية لسعى الشعوب العربية للاستقلال، وإنما كانت عبارة عن رمز تحرر شعبى مُعلم ومُلهم لكافة حركات التحرر فى العالم. ومنها تعلم القادة والزعماء شرقا، وغربا أن السعى من أجل الحرية لا يمنعه مانع، ولا يعوقه عائق. ففى جهاد الشعوب من أجل استقلالها يجب التغلب على كل الحواجز وتخطى كافة العقبات.
إن استقراء الثورة وآثارها من خلال ما كتبه وقاله زعماء حركات التحرر فى العالم، يفتح لنا بابا لاكتشاف لحظات شرف عظيمة فى تاريخنا تستحق فخر الأجيال.
لقد كان المهاتما غاندى زعيم الاستقلال فى الهند (1869-1948) أحد أكثر المتأثرين بثورة 1919 فى مصر واعتبرها نموذجا للنضال السلمى للشعوب فى مواجهة الدول الاستعمارية الكبرى. وكتب غاندى مقالا فى صحيفة « الهند الفتاة» قال فيه «إن ثورة مصر تظهر أن الوحدة بين الأديان ممكنة. لقد أثبت المصريون أن المقاومة السلمية سلاح أقوى من الرصاص، وهذا النضال المصرى العظيم مُلهم ومُعلم لحركات التحرر فى آسيا وإفريقيا».
أما جواهر لال نهرو (1889-1964) تلميذ غاندى وخليفته فى التحرر بالهند، وأول رئيس وزراء بعد الاستقلال عام 1948، فقد ذكر فى كتابه «اكتشاف الهند» أن ثورة 1919 فى مصر هى شعلة أضاءت الطريق لشعوب المستعمرات جميعا للسعى لنيل حرياتها، وأن أعظم ما فيها هو توحيد الشعب لجهوده رغم الاختلافات الدينية».
وهذا زعيم آخر عظيم هو هوتشى منه (1890-1969) زعيم التحرر بفيتنام، وأول رئيس جمهورية لفيتنام الشمالية يكرر أن الثورة المصرية هى أفضل مثال على مقاومة الاستعمار، وقد نجحت فى إلغاء الحماية البريطانية على مصر، وأكدت قوة التضامن والتوحد الشعبى فى مواجهة المستعمرين.
وكتب كوامى نكروما (1909-1972) زعيم غانا العظيم، وأول رئيس جمهورية لها بعد الاستقلال عن ثورة 1919 مقالا فى مجلة الأزمة يقول إن الشعوب المظلومة قادرة على هزيمة الامبراطوريات الكبرى.
لقد كانت ثورة 1919 مُعلمة ومُلهمة ومؤسسة وكانت أعظم ما فيها تضامن المصريين مسلمين ومسيحيين، أغنياء وفقراء، ريفيين وحضريين، قبليين وبحريين معاً فى سبيل الوطن. كما مثلت أول تحرر حقيقى للمرأة المصرية والتى شاركت فى الشأن العام من خلال الخروج فى مظاهرات وهو ما أدهش وأذهل الإنجليز. وهى أول توجه سلمى للتغيير والمطالبة بالحقوق إذ اعتمدت على المقاومة السلمية من خلال آليات التظاهر والعصيان والاضرابات.
إن من حقنا كمصريين أن نفخر بثورة 1919، وبما أرسته من قيم وما رسخته من ثوابت فى مسيرة النضال المصرى، وعلينا أن نتعلم دائما منها.

وسلامٌ على الأمة المصرية

زر الذهاب إلى الأعلى