خالد سالم يكتب: لماذا حدودنا العربية ملتهبة؟

بيان

منذ عقود طويلة، والعالم العربي يعيش على صفيح ساخن، لا تكاد تنطفئ نار في بلد حتى تشتعل في آخر.

تساؤل مشروع يطرحه كل مواطن عربي غيور على وطنه: لماذا حدودنا العربية دائمًا ملتهبة؟ ولماذا لا تعرف أوطاننا الاستقرار طويل الأمد؟

الإجابة لا يمكن حصرها في سبب واحد، بل هي مزيج معقّد من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تقاطعت مع مطامع دولية ومؤامرات إقليمية، وأحيانًا مع قصر نظر بعض الأنظمة أو سوء تقديرها لمصالح شعوبها.

أولاً: الاستعمار لم يرحل كليًا

رغم خروج الاستعمار العسكري المباشر من أغلب الدول العربية، إلا أنه خلّف وراءه تركة ثقيلة من التبعية الاقتصادية والضعف المؤسسي والتقسيم المصطنع للحدود، بل وأشعل فتيل الفُرقة بين أبناء الوطن الواحد. هذه التركة أصبحت شرارة أولى في كل نزاع داخلي أو حدودي.

ثانيًا: النفط… نعمة ونقمة

الثروات الطبيعية التي يملكها الوطن العربي، وفي مقدمتها النفط، تحوّلت من مصدر تنمية إلى أداة للابتزاز والتدخل الأجنبي. الصراعات المسلحة التي دارت في العراق وليبيا واليمن لم تكن بمعزل عن الأطماع الاقتصادية في هذه الموارد.

ثالثًا: غياب المشروع العربي الموحد

لم ينجح العرب في صياغة مشروع موحّد يحمي مصالحهم الجماعية. وبدلاً من التكامل، سادت الفردية، وتنامت النزاعات البينية، وضعفت الإرادة المشتركة لمواجهة التحديات، فكانت النتيجة حدودًا تلتهب في كل الاتجاهات.

رابعًا: دور القوى الإقليمية والدولية

لم تعد الخريطة العربية شأناً عربيًا خالصًا. هناك قوى إقليمية غير عربية – مثل إيران وتركيا وإسرائيل – تمارس نفوذًا مباشرًا على الساحة العربية، عبر دعم جماعات مسلحة أو استثمار الأزمات الطائفية. كذلك فإن القوى الدولية الكبرى لا تزال ترى في المنطقة ساحة لتصفية الحسابات أو حماية مصالحها، على حساب استقرار شعوبها.

خامسًا: الفقر والبطالة… فتيل الغضب

معظم الدول العربية تعاني من نسب مرتفعة في الفقر والبطالة، خصوصًا بين الشباب. هذا الواقع يجعل المجتمعات هشّة وقابلة للاختراق من قبل الجماعات المتطرفة، ويجعل من الغضب الشعبي وقودًا دائمًا لأي اشتعال.

رغم كل شيء… هناك أمل

وسط هذا المشهد المعقد، تظل هناك نماذج إيجابية لدول عربية بدأت تستعيد عافيتها، وتضع الإنسان في قلب أولوياتها. كما أن وعي الشعوب يتزايد، والجيل الجديد أكثر اطلاعًا وانفتاحًا، وقادر على المطالبة بالتغيير السلمي والتحول الحقيقي

أطماع أمريكا وإسرائيل… نار لا تهدأ

لا يمكن الحديث عن التوترات العربية دون الإشارة إلى الأطماع الأمريكية والإسرائيلية، التي كانت وما زالت عاملًا رئيسيًا في اشتعال الحدود العربية. فإسرائيل، منذ نشأتها، قامت على فكرة التوسع وبث الفوضى في محيطها العربي، وسعت دائمًا لإضعاف جيرانها عبر زرع الصراعات والانقسامات، لأن استقرار العرب يُهدد مشروعها الصهيوني.

أما الولايات المتحدة، فقد نظرت للمنطقة بعين المصالح فقط، لا القيم. تحت شعار “نشر الديمقراطية”، غزت العراق، وخلّفت وراءها فوضى عارمة، وقتل ودمار، وصراعًا طائفيًا لم ينتهِ حتى الآن. دعمت أنظمة حينًا، وأسقطت أخرى حينًا، ليس وفقًا لما تريده الشعوب، بل وفقًا لما يخدم مصالحها الاستراتيجية وأمن إسرائيل.

وفي أغلب الأزمات العربية، نجد بصمات استخباراتية واضحة، سواء بالتسليح، أو بالتحريض الإعلامي، أو عبر جماعات مرتزقة تخدم مشاريع التقسيم والفوضى الخلاقة. فليس غريبًا أن نرى النار مشتعلة في كل دولة ذات موقع استراتيجي أو ثروة نفطية، أو حتى دولة تمتلك مشروعًا وطنيًا مستقلًا لا يخضع لهيمنة الخارج.

إن أطماع أمريكا وإسرائيل في المنطقة ليست طارئة، بل هي سياسة ثابتة تقوم على مبدأ: “فرّق تسُد”، وتغذّيها أنظمة تخشى الاستقلال الحقيقي، فتُفتح لها الأبواب، وتُباع الأوطان في صفقات مشبوهة.

……………………………………………………………………………..

كاتب المقال: نائب الأمين العام لاتحاد الإعلاميين الأفريقي الأسيوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى