الموساد يراقب والقضاة يترددون: صراع في قلب إسرائيل

مصادر – بيان
تتعمّق الأزمة داخل إسرائيل مع تصاعد صراع داخلي حاد بين أركان السلطة، يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وسط اتهامات متزايدة بسوء الإدارة ومحاولات إقصاء تطال شخصيات أمنية بارزة، مما يفاقم الانقسام داخل الجيش والأجهزة الأمنية، ويزيد من التوتر السياسي في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة وتجاهل مصير الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة.
أهلية نتنياهو
وفي هذا السياق، كشفت القناة 13 العبرية أن عدداً من كبار المسؤولين الأمنيين السابقين أبلغوا الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، بأن “أهلية نتنياهو لتولي رئاسة الحكومة باتت محل شك”، محذّرين من أن “سلوكه يشكّل خطراً على الدولة وقد يقود إلى كارثة وطنية”. ودعوا إلى فتح تحقيق رسمي في فشل السابع من أكتوبر، وتحديد موعد لإجراء انتخابات مبكرة.
يأتي ذلك بالتزامن مع مساعي نتنياهو للإطاحة برئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار، قبل أن يدلي بإفادته أمام المحكمة العليا في قضية الإقالة، والتي قد تكشف خلفيات هذا القرار المثيرة للجدل. وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن نتنياهو مارس ضغوطاً على بار لتقديم تقييم أمني يخدم مصالحه السياسية، ويتيح له تأجيل جلسات محاكمته الجارية بتهم الفساد، كما رفض بار التدخل لكبح جماح الاحتجاجات المعارضة لخطة الحكومة القضائية، وأشرف على تحقيقات طالت مقربين من نتنياهو.
قرار المحكمة العليا
ورفضت المحكمة العليا الإسرائيلية، مساء أمس الخميس، طلب الحكومة بالإسراع في البتّ بالالتماسات القانونية التي تطالب بمنع إقالة رونين بار، مؤكدة استمرار تجميد القرار إلى حين استكمال النظر في القضية.
كما ألزمت المحكمة كلّاً من نتنياهو وبار بتقديم إفادتيهما خلال الأسبوع المقبل، وحددت الأحد موعدًا لإفادة بار، والخميس لإفادة نتنياهو.
ويُشار إلى أن هذه القضية تثير جدلاً قانونيًا واسعًا داخل إسرائيل، في ظل الخلاف المتصاعد بين الحكومة والمستشارة القضائية غالي بهاراف ميارا، التي شكّكت في قانونية قرار الإقالة. وقد أوصى قضاة المحكمة العليا الطرفين بالتوصل إلى تسوية داخلية لتفادي صدام مؤسسي جديد.
وحتى صدور القرار النهائي، أمرت المحكمة العليا ببقاء رونين بار في منصبه، ومنعت نتنياهو من تعيين بديل له أو حتى قائم بالأعمال، على أن يستمر الوضع القائم حتى 24 نيسان/أبريل، بانتظار مآلات الملف القانوني والسياسي.
أزمة في قمة السلطة
في تطور جديد يعكس حجم الأزمة السياسية والأمنية داخل إسرائيل، طلبت حكومة الاحتلال، مساء الأربعاء، من المحكمة العليا تسريع إصدار قرارها في ملف إقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار، معتبرة أن “استمرار تولي مسؤول أمني فاشل منصبه، رغم قرار حكومي جماعي بعدم الثقة به، يمثل خطرًا على أمن الدولة، وعلى صورتها الدولية، وعلى التنسيق مع أجهزة الاستخبارات العالمية”. وقد أتى هذا الربط في سياق اعتقال أحد عناصر الشاباك الاحتياط، بشبهة تسريب معلومات سرية.
وبحسب خبراء قانونيين، يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تجنب تقديم بار للإفادة التي طلبها القضاة، والتي يُتوقع أن تكشف ضغوطًا سياسية مورست عليه من قبل مكتب رئيس الحكومة، خصوصًا ما يتعلق بتقييمات أمنية قد تؤثر على محاكمة نتنياهو الجارية.
ومن شأن هذه الإفادة أن تُجبر نتنياهو على تقديم رد مفصل للمحكمة، يتجاوز التصريحات العامة حول “فقدان الثقة”، التي كررها ضد بار.
القضاء يفضل التسوية
في المقابل، نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر قضائية أن قضاة المحكمة العليا، ورغم تأكيدهم على أن الحكومة تمتلك الصلاحية القانونية لإقالة رئيس الشاباك، إلا أنهم يفضلون الدفع نحو تسوية، خشية اعتبار القرار تدخلاً في واحدة من أكثر القضايا حساسية بين السلطة التنفيذية وجهاز أمني رفيع.
ويُفاقم من تعقيد الملف موقف وزير القضاء ياريف ليفين، الذي يواصل التشكيك في شرعية المحكمة العليا ورئيسها القاضي يتسحاق عميت، مما يضيف أبعادًا سياسية حادة إلى الأزمة.
وترى المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، أن معيار “فقدان الثقة” لا يكفي قانونيًا لتبرير الإقالة، محذّرة من أن الأمر يمسّ باستقلالية كبار المسؤولين المهنيين، لا سيما في الأجهزة الأمنية. كما اعتبرت أن تضارب المصالح الذي يعاني منه نتنياهو، يشكّل عائقًا حقيقيًا أمام اتخاذ قرار قانوني نزيه في هذه المسألة.
وكانت القاضية دافنا باراك-إيريز قد اقترحت في جلسة سابقة السماح لبار بإتمام تحقيقاته مع مقربين من نتنياهو، قبل البت في مسألة استمراره في منصبه، إلا أن ممثل الحكومة رفض المقترح بشدة.
وبينما يتمسّك القضاة بضرورة اتباع معايير إدارية سليمة في الإقالة، اقترح القاضي نوعام سولبرغ “تصحيح الإجراء” من خلال عقد جلسة رسمية تُعرض فيها أسباب الإقالة على بار، مع منحه فرصة للرد، قبل أن يُحال القرار إلى لجنة تقييم التعيينات العليا، رغم أن هذه اللجنة لم يسبق لها التعامل مع حالات إقالة، ما يفرض مسارًا جديدًا ومعقدًا سيستغرق وقتًا طويلاً، خلافًا لرغبة الحكومة في الإسراع بالحسم قبل تقديم إفادة بار.
الجيش يعاقب أطباء احتياط
وفي تصعيد آخر يعكس اتساع رقعة الاحتجاج داخل المؤسسة العسكرية، بدأ جيش الاحتلال باتخاذ إجراءات عقابية ضد أطباء احتياط وقعوا على عريضة تطالب بإعادة الأسرى الإسرائيليين “حتى لو تطلّب ذلك إنهاء الحرب على غزة”.
وأوضح منظمو العريضة أن قيادة الوحدة الطبية في الجيش تواصلت مع بعض الأطباء أثناء خدمتهم وطلبت منهم سحب توقيعهم. كما جرى فصل إحدى الطبيبات من منصبها في وحدة تابعة لسلاح الجو، ومنعت من المشاركة في دورة طيران.
وأشارت المصادر إلى أن رئيس الأركان إيال زامير أمر قائد الوحدة الطبية بإبلاغ جميع الموقعين أن “الجيش يرفض تسييس الخدمة العسكرية”، في حين تم استدعاؤهم لـ”جلسات توضيحية” بمقر الوحدة.
وارتفع عدد الموقعين على العريضة منذ الأحد الماضي إلى أكثر من 250 طبيبًا، ضمن موجة احتجاج متصاعدة في صفوف الاحتياط، شملت سابقًا ضباطًا في سلاح الجو، ووحدات الكوماندوز (شاييطت 13)، ووحدة 8200، والسايبر الهجومي، وغيرها.
وردًا على ذلك، قرر كل من رئيس الأركان وقائد سلاح الجو إقالة جميع الموقعين على العريضة من خدمتهم الاحتياطية، في خطوة وصفت بأنها تهدف إلى كبح تمدد حركة الاحتجاج داخل الجيش.
ويُذكر أن بيانات مماثلة صدرت عن آلاف العاملين في قطاع الصحة، إضافة إلى أكاديميين ومعلمين وكتّاب، ما يعكس حجم الشرخ المجتمعي الذي أحدثته الحرب المستمرة على غزة، والانقسام المتفاقم داخل مؤسسات الدولة.