اللواء مصطفى زكريا يكتب: التجربة التركية والمفارقة المصرية

في خضم الأزمات الاقتصادية العالمية، تتجه الأنظار نحو التجارب التي نجحت في تحويل تحديات الداخل إلى فرص واعدة. وتبقى التجربة التركية نموذجًا مثيرًا للتأمل، خصوصًا حين نقارنها بالمسار المصري في دعم التصدير.
في التسعينات، كانت تركيا تمر بأوضاع اقتصادية صعبة، من أبرزها التذبذب الشديد في سعر صرف الليرة، حتى أن الدولار كان يُتداول بأسعار مختلفة في نفس اليوم. ومع كل ذلك، اختارت الدولة السير في مسار اقتصادي واضح: التصدير أولًا في عهد رجب طيب أردوغان، تحولت هذه الفلسفة إلى سياسة اقتصادية متكاملة. دعم الصناعة، خفض قيمة العملة بشكل مقصود، تيسير القروض للمُنتجين، وضمان سوق خارجي للمنتجات التركية.
لم يكن الأمر سهلاً أو خاليًا من المخاطر، لكنه كان واضحًا في اتجاهه: تحويل تركيا إلى مصنع إقليمي يصدر للعالم.في المقابل، بدأت الدولة المصرية خلال السنوات الماضية في اتخاذ خطوات مهمة لدعم الصادرات. وُضعت برامج حوافز مجزية، سُددت متأخرات المصدرين، وأُطلقت مبادرات لتيسير الإجراءات الجمركية، بل ووُعد المصدرون بسعر صرف تنافسي في بعض الحالات. ومع ذلك، لم تحقق النتائج المرجوة.
هنا تبرز المفارقة: لماذا نجحت تركيا حيث لم ننجح نحن، رغم استخدام أدوات تبدو متشابهة؟الفرق لا يكمن في الحوافز وحدها، بل في وجود رؤية تصديرية متكاملة، لا ترتبط فقط بتشجيع التصدير، بل بإعادة هيكلة الاقتصاد ليكون مُنتجًا أولًا:
– تناسق السياسات النقدية والمالية مع هدف التصدير، بحيث يكون سعر الصرف خاضعًا لاستراتيجية طويلة المدى، وليس رد فعل لضغوط آنية.
– خلق بيئة صناعية كاملة، تبدأ من التعليم الفني وتنتهي بسلاسل الإمداد المحلية
– نشر ثقافة التصدير على مستوى الطبقة المتوسطة والمشروعات الصغيرة، وليس فقط على مستوى كبار المصدرين.إن التجربة التركية تعلمنا أن التصدير ليس قرارًا إداريًا، بل مجهود وطني شامل، يبدأ من فهم الأسواق الخارجية، ويمر بإصلاح داخلي شامل، ويعتمد على تماسك السياسات الاقتصادية.
– إذا أردنا مستقبلًا اقتصاديًا مستقرًا، فلا بد أن تكون “ثقافة التصدير” جزءًا من هوية الاقتصاد المصري، لا مجرد استراتيجية مؤقتة.
نقل التجارب لا يعني نسخها، بل فهم روحها. ونجاح التصدير لا يُقاس فقط بالحوافز، بل بالبنية العميقة التي تجعل المنتج المصري مطلوبًا عالميًا، ومقدّرًا محليًا.