أحمد عاطف آدم يكتب: لام شمسية روشتة درامية

بيان

كل عام يطل علينا مسلسل واحد أو أكثر ضمن الدراما الرمضانية، يكون مادة خصبة للجدال النقدي حوله، لأن معظم الأعمال المقدمة للجمهور تكون – إما ضعيفة، أو ليس لها صلة بالواقع المعاش، أو مبتذلة في حوارها ومضمونها، ومنذ أيام قررت كعادتي بعد توديع أيام الشهر الفضيل، أن أشاهد أكثر الأعمال التي دار حولها زخمًا إيجابيًا وليس العكس، لإعطائها ما تستحق حسب رؤيتي كمشاهد قبل أن أكون كاتبًا يهتم بالقضايا الاجتماعية، وحقيقة الأمر لفت نظري بشدة عنوان “لام شمسية” الذي انتجته شركة “ميديا هب” وكتبت قصته المبدعة مريم نعوم، من إخراج القادم بقوة كريم الشناوي.

الأداء العبقري للطفل علي البيلي أو “يوسف” بالمسلسل، اعتبره أبرز نقاط القوة التي جذبتني بلا منازع، وهو برأيي مشروع ناجح لفنان بالفطرة يشبه أداءه في التشخيص الفني ما يفعله لاعب كرة القدم الظاهرة “كريستيانو رونالدو” بالملاعب، وتذكروا جيدًا أنه سيُكتب عن هذا الشبل الصغير يومًا ضمن بطاقته التعريفية، أنه برع في الأدوار المعقدة منذ نعومة أظفاره، حيث جسد بأداءه الخارق حياة طفل تعرض لضغوط نفسية غير عادية، بعد تحرش مدرسه (وسام) به، والأخير كان دوره يرتكز على مبرر منطقي لأستاذ جامعي للغة العربية، لا يمانع مساعدة أصدقاءه المقربين ومعارفهم في تأسيس وتطوير قدرات أطفالهم لغويًا، وهي استراتيجية خبيثة للعطاء الزائف، يتبعها غير الأسوياء كذريعة للولوج إلى عوالم الضعفاء ومعدومي الخبرات مثل الأطفال، ومحاولة التأثير فيهم واستمالتهم نحو الإستغلال الجنسي، دون اكتشاف هويتهم المنحرفة، محدثين بميولهم الدنيئة تشوشًا اجتماعيًا ونفسيًا مدمرًا للضحايا، نتيجة الاستحواذ العاطفي للمتحرش، وسيطرته شبه المطلقة في غياب الخبرة والقدرة على الصد والرد – بالإضافة للحرمان من التوجيه الأبوي، خصوصًا إذا قطع الآباء بأيديهم حبل المودة واللحمة الوجدانية بينهم وبين أبنائهم بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل حدوث الطلاق بين الزوجين، أو التباعد والجفاء داخل عش الزوجية، فيستغل شياطين الإنس من المرضى النفسيين قدراتهم في تحويل دفة الاستواء السلوكي لدى الأطفال والمراهقين، ودفعهم نحو السقوط في نفس المستنقع الذي وقعوا فيه لأسباب معروفة علميًا ترتبط بنشأتهم المشوهة، منها التربية العنيفة والقاسية مع الجاني في الصغر، كذلك التعرض لصدمات وتجارب مشابهة، أدت بدورها إلى تسلسل مارق يشبه استنساخ الخلايا السرطانية لنفسها داخل الجسد، بعد استحواذها على مصنع الخلايا به، وحدوث عجز تام لجهاز المناعة في اكتشاف هذا التحور الشاذ،،، لذا جسدت الكاتبة “نعوم”، هذا التسلسل السلوكي بإبراز معاناة “وسام” نفسه من سادية والده في الصغر وضربه المستمر له، مما دفعه لمعاتبة والدته الفنانة “صفاء الطوخي” على سفرها للعمل خارج البلاد وهو صغير، وتركه فريسة لقسوة والده، فنقل بدوره مضاعفات هذا الأذي النفسي المركب لأطفال ومراهقين آخرين، وترتب عليه تقليد الطفل الأكبر “يوسف” لنفس الأفعال التي اكتسبها من معلمه المُفسد، ونقلها لأخيه الأصغر “ياسين”، على أساس أنها مجرد لُعبة كما أوهمه الفنان محمد شاهين، الذي يجسد شخصية وسام – لولا اكتشاف زوجة الأب المخلصة أو (الأم الحاضنة بحنانها الفطري ) “نيلي” لما يحدث بالصدفة – في غياب دور الأب أحمد السعدني أو “طارق” عن متابعة تطور شخصية وسلوكيات أبنه، وميله للعنف مع زملاءه بالمدرسة وشروده الذهني وتراجع قدراته التحصيلية.

وفي الحلقة الأخيرة من المسلسل نطق القاضي ” الذي جسد دوره الفنان كمال أبورية” الحكم قائلًا: بسم الله الرحمن الرحيم،، حيث أن الواقعة حسبما استقرت في يقين المحكمة، واطمئن إليها ضميرها، وارتاح لها وجدانها، مستخلصة من أوراقها وما تم فيها من تحقيقات،، حاصلها أن المتهم “وسام محمود الألفي” رجل غلبت عليه شهوته، وسيطرت عليه نزواته، واستذله شيطانه، كما وجد سبيلًا لإشباع رغبة جنسية لديه – إلى طفل صغير ، وقد أعمل سيطرته عليه مستغلًا العلاقة التي تربطه بوالده، وكونه مدرسًا له، أجبره من خلال تلك السيطرة وانفراده به على ملامسة عوراته، كما لامس هو عوراته، مخالفًا السلوك البشري الطبيعي، قاتلًا بذلك براءة الطفل، فإن المحكمة (( تهيب بالمجتمع بأسره، وبخاصة الأسر، بأن تكون شديدة الحرص على أبنائها، وأن يقوموا بتوعية أبنائهم، وبث الطمأنينة لديهم، بمصارحتهم بما قد يتعرضون له من مثل تلك الأفعال)) ولما كانت المحكمة تطمئن لشهادة شهود الإثبات في الواقعة على نحو ما ورد بالأوراق والتحقيقات، ومن ثم تنتهي لثبوت التهمة قبل المتهم، ولهذه الأسباب، وبعد مطالعة نص المادتين ٣٠٤ فقرة ٢ و٣١٣ من قانون الإجراءات الجنائية، والمادتين ٢٦٧ فقرة ٢ و٢٦٨ من قانون العقوبات، حكمت المحكمة حضوريًا، أولًا: بمعاقبة وسام محمود الألفي بالسجن المؤبد وألزمته المصاريف الجنائية، ثانيًا: إحالة الأوراق للنيابة العامة لاتخاذ شؤنها فيما أثير بجلسات المحاكمة عن واقعة التعدي على الطفل إسماعيل سيف طه، رُفعت الجلسة.

وبرغم أن الوصول لساحة القضاء بمثل تلك القضايا ذات الطابع الشائك، يكون في أضيق الحدود، حيث يحرص معظم الأهالي على عدم التشهير بأبنائهم، لحمايتهم من نظرة المجتمع التي لا ترحم، إلا أنه يجب من البداية العمل على توعية الأطفال منذ الصغر على كيفية اكتشاف العالم المحيط بهم، وتطوير قدراتهم الاتصالية، وتوقع الخطر المحدق، وتحديد مصدره وطرق دفعه عنهم بذكاء ووعي – وكل هذا لن يحدث إلا بتثقيفهم وتعريفهم بحدود الآخر معهم، ومن المسموح له التأثير فيهم، أو مداعبتهم سواء لفظيًا أو جسديًا، بل إن شرح أعضائهم الجسدية ووظائفها سينمي إدراكهم الحسي  في وقت مبكر، وسيساعد كثيرًا على الإلمام ببواطن الأمور التي ترتبط بخصوصيتهم وحقوقهم، لاسيما مع التطور التكنولوجي الرهيب، وأدوات التواصل الاجتماعي العابرة للحدود وسماتها المختلطة بين الحق والباطل،، وعلى رأس كل ما سبق تظل التربية الدينية القويمة، والمحافظة على الصلاة في أوقاتها، هي الإطار الأساسي الأشمل والحافظ لحياة أبنائنا وبناتنا،،، يقول الحق سبحانه وتعالى بسورة يونس، بسم الله الرحمن الرحيم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} صدق الله العظيم.

اقرأ أيضا :

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى