محمد هانى يكتب: فى مسألة الدراما

بيان
فى تقديرى المتواضع ربما لم تشهد مصر مرحلة تزخر بهذا الكم من المواهب الإبداعية فى الدراما مثلما شهدناه فى الخمسة عشر عامًا الأخيرة وبالتحديد فى التمثيل والإخراج ومديرى التصوير، فضلًا عن ظهور أسماء مميزة فى الكتابة والموسيقى التصويرية وإن كانت قليلة العدد نسبيًا، وبالتأكيد فالشىء نفسه ينطبق على تعدد الأجيال المدهش بالذات فى التمثيل؛ حيث أربعة أجيال على الأقل تتواصل وتتفاعل إبداعيًا فى الأعمال المعروضة على مدار العام وعبر مختلف الشاشات والمنصات، وهو ما يمثل ثروة حقيقية لا يملكها ولن يملكها سوانا لسنوات طويلة مقبلة.
ولكن الأهم من امتلاك الثروة هو استثمارها ومسارها وتأثيرها، وعندما يتعلق الأمر بالإبداع فالمؤكد أن ذلك لن يتحقق بقرار أو توجيه أو بقائمة مسموحات وممنوعات ولا بلجان تشكلت على عَجل كرد فعل على مردود موسم درامى لم يتم تقييمه بدقة وعمق وبشكل علمى ودون تحديد واضح لأجندة أعمالها أو اختصاصاتها وصلاحياتها أو ما إذا كانت الجهات المتعددة التى بادرت لتشكيلها يصح أن تقول لصناع ومبدعى الدراما «افعل ولا تفعل»، وذلك مع كامل الاحترام لأصحاب الأسماء التى قد تشارك فى تلك اللجان وبصرف النظر عن تخصصاتهم وما إذا كان بينهم ممثلون للنقابات الفنية وصناع للدراما أم لا.
وبوضوح ففكرة اللجان أصلًا ليس مكانها هنا ولن تحقق أى هدف فى اتجاه دعم الإبداع وتنوعه وتطوره وانطلاقه؛ بل ربما يكون العكس هو الصحيح، وقد قرأنا وتابعنا على مدار الأسابيع الماضية آراء كثيرة ومهمة تؤكد هذا الرأى وتحذر من هذا التخوف.
وفى هذا السياق يمكن أن نتوقف عند مجموعة من المحددات:
أولها؛ أن السبب المباشر الذى فَجّر ذلك وأدى للتسابق نحو تشكيل لجان لها نفس الغرض؛ بدءًا من مجلس الوزراء ووصولًا لهيئات رسمية وحتى حزبية، هو وجود أعمال درامية يتم تصنيفها على أنها تشوه المجتمع وتهدد قيمه وتتنافى مع «عاداته وتقاليده» وتروج للعنف والبلطجة والمخدرات والفساد بكل أشكاله، وبالتالى فهى تقدم صورة مغلوطة عن «الواقع».. وبصرف النظر عن أن النوعية المقصودة ليست وليدة اليوم وأنها موجودة منذ سنوات؛ فإن هناك ثلاثة أسئلة تحتاج إجابة ممن يتبنون هذا الرأى:
أولًا: هل تصنيف هذه الأعمال على أنها «واقعية» صحيح أم أنها حكايات خيالية تمتلئ بالقدرات الخارقة والمبالغات فى الأحداث، يراها البعض مسلية وينفر منها البعض الآخر؟
ثانيًا: لماذا تنجح هذه النوعية كل عام وتحقق رواجًا جماهيريًا ونسب مشاهدة عالية جدًا لدرجة نخشى معها من تأثيرها مجتمعيًا وأثرها فى «تشويه الواقع».. وهذا سؤال تحتاج الإجابة عليه إلى دراسة جادة وبحوث رأى عام موسعة.
ثالثًا: إذا وصلنا لإجابة دقيقة عن السؤالين السابقين، يتبقى أن نسأل كيف يمكننا التعامل مع ذلك؟
وهذا يقودنا إلى المحدد الثانى وهو أن الدولة – كمنتج وعارض وموزع- من حقها وواجبها أن تضع استراتيجية وسياسة محددة لنوعية الأعمال التى تنتجها فقط الشركات المملوكة أو التابعة لها تتضمن القيم التى تسعى لتأصيلها والقضايا التى تهتم بمناقشتها، وباعتبار أن الدولة فعليًا هى المنتج الأكبر والمالكة لأغلب منصات العرض فالطبيعى أن ما ستنتجه بالمواصفات التى تراها سيكون هو الأكثر انتشارًا وتأثيرًا إذا حقق ما يجذب الجمهور ويلبى احتياجاته، فمن حق الدولة وواجبها أن تتصدى لإنتاج مسلسل مثل «الحشاشين» وقد ترى من غير المناسب أن تنتج أو تعرض «جعفر العمدة».. ولكن دون وصاية أو منع أو قيود إضافية تُفرض على القطاع الخاص.
هنا نأتى إلى المحدد الثالث وهو أن السوق المصرية بتركيبتها الحالية ليست مفتوحة ولا تنافسية ولا حرة بالشكل الذى يسمح للقطاع الخاص ويشجعه على الاستثمار والتوسع، فهو واقعيًا ينافس الدولة، وهى منافسة غير متكافئة، فضلًا عن أن الدولة لا يجب أن تكون منافسًا أصلًا بل تدعم وتسهل وتنمى السوق والصناعة وتسعى لإنتاج أعمال ذات رسائل اجتماعية وسياسية وتأثيرات محددة (قد يحجم عن إنتاجها أو لا يستطيع القطاع الخاص) فى مقابل أسواق إقليمية تنمو بتسارع وقوة وتملك تمويلات ضخمة.
الخلاصة: إن لجان «تقويم» الدراما هى سير فى اتجاه غير صحيح ولنتذكر أن لجانًا مَثيلة تشكلت من قبل ولم تحقق شيئًا.
…………………………………………………………………………………………………………………………………………………
المقال منشور فى عدد مجلة روزاليوسف رقم 5053 الصادر بتاريخ 2025/4/19