د. ناجح إبراهيم يكتب: بضاعتكم ردت إليكم

بيان

عبارات من مقال د. ناجح إبراهيم  المعنون بـ “بضاعتكم ردت إليكم” وتم نشره في جريدة الوطن :
– سيدة عجوز غاية في الرقي الإنساني والأدب، جاءتني تشكو من احمرار في جلد وجهها بعد أخذها لجرعة من جرعات العلاج الكيماوي لعلاج سرطان بسيط في الأصبع تمت إزالته جراحياً ، كانت تشكو من ألم الكيماوي وأثره السلبي علي الجسم، أدركت من دموعها التي تجري علي خديها أثر أي كلمة طيبة تسمعها فيغمرها الحزن والبكاء.
– أخبرتني أنها تعيش مع شقيقها المحال للمعاش ، وأن كليهما لم يتزوج أو أنها تزوجت عدة أشهر ثم انفصلت عن زوجها وأنها لا تعمل وتعيش علي معاش والدها البسيط .
– أخبرتني أنها استأصلت الورم جراحياً وبعدها العلاج الكيماوي علي نفقتها،قلت لها : هذه مبالغ كبيرة ،قالت : ابن خالتي دكتور دفع لي أربعين ألف جنيهاً وشقيقه المهندس دفع مثلها.
– قلت لها أول مرة أسمع عن شباب يدفعون لبنت لخالتهم هذه المبالغ الضخمة قالت : السر أن خالتي تعرف معروف أمي وأبي معها ومع كل شقيقاتها، فقد كان أبي ميسوراً وكان لخالتي تسع شقيقات كلهن فقيرات فقام أبي وأمي بمساعدة خالاتي جميعاً ، وخاصة خالتي هذه حتى تزوجن وأصبحن في أوضاع مالية جيدة، فقامت خالتي برد جميل أبي وأمي لي وقام أولادها الاثنين بهذا المعروف الكبير.
– قلت لها : صانع المعروف يحيا ولا يموت معروفه أبداً ، وصنائع معروف والدك ووالدتك عادت إليك ” هذه بضاعتكم ردت إليكم”.
– قالت: نعم فلولا وقفتهم معي ما استطعت العلاج فقد أخبرتني استشارية الأورام أن العلاج علي نفقة الدولة أحيانا ينقطع في منتصفه أو لا توجد خاماته ، وأنا لا أحسن إنهاء الإجراءات الحكومية .
– خففت عنها محنتها وقلت لها : الاحمرار هذا من الكيماوي ومن الحزن أيضا ، اكتشفت مع الحديث معها أن الحزن والخوف من الأيام يغمر مشاعرها وحياتها.

………………………
– أحزن الآن كلما وجدت كثيرين في الشعب المصري لم يتزوجوا أو أجد امرأة وحيدة في شقتها، هذا لم يكن يحدث في بيوت الأسر العائلية القديمة ، فقد رأيت خالتي وهي “جد جدة” أي لها ثلاثة أجيال من الأحفاد تمارس حياتها وسطوتها يحفها أحفادها حتى آخر العمر، وتعمل وتأمر وتستقبل الضيوف وبيتها يعج بالأحفاد وأولاد الأحفاد، وبيتها عامر بالخيرات والبركات ولها حضور ذهني وعقلي جيد وقوة شخصية وقوة علي العبادات والطاعات.
– الوضع في المدن الكبرى الآن سيئ وقد وجدت أن معيشة الرجل أو المرأة في دار المسنين أفضل من أن تكون وحيدة بين جدران أربعة في شقتها بعد سفر كل أولادها للخارج، ففي دار المسنين لهم أصدقاء وأصحاب ورحلات وحفلات واهتمام طبي جيد، فبالقرب من منزلنا هناك عده دور للمسنين تعقد كل فترة حفلات ورحلات وفيها حديقة جميلة.
– أفضل ما في الشعب المصري التكاتف الاجتماعي وأسوأ ما في الحياة المعاصرة معيشة الجد والجدة في عزلة وهمَّ ووحدة وبين أربعة جدران، وقد ذهبت مرة لكشف منزلي فصعقت حينما رأيت الابن يغلق باب الشقة من الخارج علي أمه بعد انصرافنا ويعود لها في اليوم التالي وهكذا.
– معيشة الأجداد في القرى والمدن الصغيرة أفضل وقد وجدت ذلك في أقاربي في الصعيد حيث تخترع كل جدة لنفسها أهدافاً وعالماً جديداً وأصدقاء وجيران وتذهب بانتظام للمسجد لتمكث فيه من المغرب للعشاء ،وبيتها مفتوح للجميع ولديها حيوية كبيرة وروحها مرحة جداً ،وتحل المشاكل الاجتماعية وترعى الأرامل وتعلم الزوجات الصغيرات في العائلة والمسجد كيفية التعامل الأمثل مع الأزواج والأولاد،ووقتها كله مشغول ومشحون بكل ما هو نافع ومفيد لأسرتها والمجتمع.
– تحية للأجداد والجدات وكبار السن جميعاً، وآنس الله وحشتهم في الدنيا.

طالع المزيد:

زر الذهاب إلى الأعلى