” عبدالناصر بلا تشويه “.. طارق صلاح الدين ينسف أكاذيب إلغاء المحكمة الشرعية 

بيان
بأبشع الأكاذيب حظى القانون رقم ٤٦٢ لسنة ١٩٥٥ والذى نص على إلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية، وإحالة الدعاوي التي تكون منظورة أمامها إلى المحاكم الوطنية.
ونشرت الجريدة الرسمية هذا القانون في العدد رقم ٣٧ مكرر غير اعتيادي بتاريخ ٢٤ سبتمبر ١٩٥٥.
وقام أعداء الزعيم جمال عبدالناصر وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين بتوجيه الإتهام لناصر بتلفيق تهمة للقضاة الشرعيين عبدالفتاح سيف وكيل محكمة الاستئناف الشرعية وعبدالقادر الفيل قاضى المحكمة بالمنشية تمهيداً لإتخاذ هذه القضية ذريعة لإلغاء المحاكم الشرعية.
وتمثل هذا التلفيق في تلقى القاضيين رشوة جنسية من ثلاث نساء من المتقاضيات وحيازة مخدرات بقصد التعاطي واستغلال سلطات وظيفتيهما للأغراض الذاتية.
واصدرت المحكمة حكمها برئاسة المستشار محمد كمال البهنساوى الذى قضى بالأشغال الشاقة المؤبدة وغرامة ألفين جنيه على كل قاضى.
وينسب أعداء عبدالناصر تدبير هذه المؤامرة إلى كاتب أحد المحامين الشرعيين حيث علم أثناء تردده على المحكمة أن القاضيان يبحثان عن منزل كى يستأجره قريب لأحدهما لقضاء فترة المصيف وأنهما كلفا موظفى المحكمة بهذه المهمة ” وكأنه ليس هناك سماسرة لهذا الغرض” فأوهمهما كاتب المحامي بأن لديه فيلا مناسبة واتفق معهما على موعد المعاينة.
وفى الوقت نفسه تمكن كاتب المحامى الشرعى” دون علم القاضيان” من إقناع النساء صاحبات القضايا بأنه يستطيع ترتيب مقابلة لهما مع القاضيان بعيداً عن أجواء المحكمة للحصول على مايردن من أحكام.
ومن ناحية ثالثة تمكن كاتب المحامى الشرعى من إقناع إثنين من أبناء صاحب الفيلا بأنهما يستطيعان الحصول على حكم لشقيقتهما المطلقة “سعاد” بشرط تجهيز جلسة هوى للقاضيان الشرعيان.
ولاينسى أصحاب هذه الأكاذيب التأكيد على أن سبب تلفيق القضية للقاضيان الشرعيان هو قيام القاضى عبدالقادر الفيل بإصدار حكم ضد الصاغ صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة يلزمه بدفع نفقة شهرية لمطلقته وذلك قبل القضية بأشهر قليلة.
وكذلك موقف الشيخ عبدالقادر الفيل الرافض لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢.
وتنتهى هذه الأكاذيب بدفن أسرار القضية بأكملها مع القاضى الذى أصدر الحكم على القاضيان الشرعيان والذى وبعد أقل من عام على إصداره هذا الحكم لقى مصرعه في حادث على كوبرى قصر النيل بعد أن غادر نادى الجزيرة وفر قائد السيارة وقيد الحادث ضد مجهول.
وبالطبع فإن هذه الأحداث بالكامل دراما من صنع خيال الإخوان المسلمين ولاعلاقة لها بالواقع من قريب أو بعيد.
وفى مستهل تفنيد هذه الأكاذيب.
أولا : 
لابد من توضيح أمر في غاية الأهمية وهو عدم ذكر قضية النفقة الخاصة بصلاح سالم إلا من خلال هذه الأكاذيب وأن هذا الأمر لم يحدث أصلا على أرض الواقع ولم يصدر الشيخ عبدالقادر الفيل أية أحكام قضائية على صلاح سالم لا بنفقة لزوجته ولا بأى شكل آخر.
ثانيا :
والتى لابد من التوقف طويلا أمامها تكمن في كيفية بقاء الشيخ عبدالقادر الفيل في منصبه كقاضى للمحكمة الشرعية حتى عام ١٩٥٥ رغم رفضه لثورة ٢٣ يوليو والتى أكد الإخوان المسلمين كثيراً أنها كانت ثورة تطيح بخصومها ؟.
ثالثاً: 
لماذا لم يكشف المستشار محمد كمال البهنساوى الذى أصدر الحكم على القاضيان الشرعيان أسرار هذه القضية التى دفنت معه خلال السنة الكاملة التى عاشها قبل حدوث حادث سير أودى بحياته ؟
وفى السطور القادمة سأقدم الدليل الدامغ على كذب هذه الرواية ونسفها من أساسها عن طريق شهادة المستشار محمد سعيد العشماوي أحد المحققين في هذه القضية والذى أكد فى شهادته على صحة الاتهامات الموجهة للقاضيان الشرعيان حيث ذكر بالحرف الواحد مايلى:-
” بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة مقالات في الصحف والمجلات عن إلغاء المحاكم الشرعية في مصر ممن لايعرف مايكتب ولايعى مايقول أن هذا الإلغاء الذى حدث عام ١٩٥٥ كان لأسباب سياسية أو لانفعال أحد ضباط ثورة يوليو ١٩٥٢ من حكم صدر ضد رغبته من هذه المحاكم.
وتتعدد الأسباب لتوهم ظنا بغير الحقيقة أن هذه الحاكم كانت مثالية ومنضبطة.
لقد كنت في أواخر صيف ١٩٥٥ مساعدا لنيابة الإسكندرية الكلية وتبين من التحريات أن وكيلا لأحد المحامين الشرعيين أتخذ من فيلا بمنطقة السيوف التابعة لقسم شرطة المنتزة مكانا أعده ليلتقى فيه بعض المنحرفين من القضاة الشرعيين بالمتقاضيات اللاتي تقدمن الرشوة بأعراضهن مقابل أحكام تصدر لصالحهن فضلاً عن تقديم الخمور والحشيش وغيره من المخدرات لتحلو السهرة.
وثبت وجود الشيخ عبدالقادر الفيل قاضى المحكمة الشرعية الجزئية والشيخ عبدالفتاح سيف القاضى الشرعى فى دائرة الاستئناف ووجود ثلاثة نسوة لهن قضايا أمام الشيخ الفيل واستئنافات أمام الشيخ سيف وتم ضبط وكيل المحامى الشرعى الذى رتب وأعد وجهز المكان والخمر والمتقاضيات واستجلب القاضيان الفيل وسيف.
كما تم ضبط ملاءة كانت مفروشة على مرتبة فى الغرفة التى إجتمع فيها أحد القضاة مع إحدى النساء الموجودات وكان عليها سائل منوي يشير إلى وقوع مضاجعة وقذف لهذا السائل.
وكانت أدلة الإتهام تحيط بهم من كل جانب وتجعل الإنكار عبثا لاجدوى منه.
وقد شهدت ضد المتهمين السيدة الثالثة وهى التى أبلغت عنهم ورفضت تقديم جسدها كرشوة عينية لتكيد لزوجها الذى صالحها فيما بعد.
وذكرت هذه الشاهدة تفاصيل وحقيقة ماجرى وكان يجرى من أحاديث وقفشات ونكات كان يشتهر بها الشيخ سيف الذى كان يقول لها أنه سيحرم زوجها من النوم ويجعله يكلم نفسه.
وظهرت بذلك وبوضوح صورة القاضى الظالم الذى يتحول إلى عدو للخصم من أجل رشوة جنسية.
ولم يكن البحث القانونى في هذه القضية ميسورا بل اقتضى جهداً شديداً لقيام السلطة عام ١٩٥٣ بتعديل مواد القانون فيما يتعلق بالرشوة.
ورغم الصدمة الكبيرة للشعب المصري لأن القضاء يمثل ضمير الأمة فقد أثبتت هذه الواقعة ماكان يتردد عن وجود فساد في المحاكم الشرعية.
ولجأت طبيعة الشعب المصري إلى النكات والقفشات للتنفيس عن غضبه المكتوم.
وبسؤال المحكمة للقاضيان الشرعيان عن التهم المنسوبة إليهما أنكر القاضيان الإتهام بكل بنوده ولكنه كان رفضاً مرسلاً لأنهما كلاهما أو أحدهما لم يفسر سبب وجوده في مكان الضبط مع سيدات لهن قضايا يتم نظرها أمامهما ومضاجعة أحدهما لواحدة منهن وكذلك سبب وجود وكيل المحامى وزجاجات الخمر وأدوات تدخين الحشيش ووجود الحشيش ذاته.
وكذلك عدم رد القاضيان الشرعيان على شهادة الشاهدة التى ذكرت تفاصيل دقيقة عن الأحداث التي دارت قبل الضبط للمتهمين.
واعترفت السيدتان الأخيرتان بالواقعة تفصيلاً حتى يتمتعن بالإعفاء من العقوبة لأن قانون العقوبات يعفى الراشى من الجريمة إذا أعترف أمام المحكمة بواقعة الرشوة.
وكانت شهادات رجال الشرطة متماثلة حيث ذكر القائمقام عبدالقادر محمود أنه شم رائحة السائل المنوي الذى كان يوجد على الملاءة ولما تبين أنه سائل منوي تحفظ على الملاءة ضمن أدلة الدعوى.
وسردت السيدة التي أبلغت عن الواقعة بما دار في القعدة من حديث وتعليقات الشيخ سيف الذى كان يضحك من ترديدها وهو في قفص الاتهام.
وصدر الحكم على القاضيان الشرعيان بالأشغال الشاقة المؤبدة.
ومما سبق يتبين لنا أن هذه القضية ليست مدبرة ولا ملفقة ولم يتم اتخاذها ذريعة لإلغاء المحاكم الشرعية.
والجدير بالذكر أن قرار إلغاء المحاكم الشرعية تضمن إلغاء المحاكم الملية القبطية والتى يغفلها تماماً أعداء عبدالناصر عند حديثهم عن قانون إلغاء المحاكم الشرعية.
وانتقل إلى الحقيقة التاريخية الموثقة والتى يذكرها المؤرخ عبدالرحمن الرافعى في كتابه بعنوان” تاريخنا القومى في سبع سنوات” وتحديدا في صفحتى ١٩٤ و١٩٥ من الكتاب والتى يؤكد الرافعى فيهما من خلال هذا التوثيق أن هذا الإصلاح لم يكن محتملا أن تقدم عليه حكومة غير حكومة الثورة وفيه توحيد للقضاء في مصر.
فالأصل أن يخضع جميع أفراد الشعب على اختلاف أديانهم لقوانين البلاد ومحاكمها ولجهة قضائية واحدة بصرف النظر عن تنوع القضايا التي تتناولها خصوماتهم أو القوانين التي تنطبق عليهم.
ولكن جرى الحال على غير هذه القاعدة قبل صدور هذا القانون فكانت جهات القضاء في أمور الأحوال الشخصية بالنسبة للمصريين أنفسهم متعددة وكل جهة تطبق القوانين الخاصة بها.
ورغم أن الدولة استردت سلطاتها بالنسبة للأجانب بإلغاء المحاكم المختلطة منذ عام ١٩٤٩ فقد ورثت مصر تعدد جهات القضاء في أمور الأحوال الشخصية عن الماضى فقامت المحاكم الشرعية وقام إلى جانبها القضاء الملى القبطى فكان لكل أصحاب ديانة القضاء الخاص بهم وقوانينه الخاصة مما أدى إلى الفوضى والإضرار بالمتقاضين.
ويذكر د.عبدالله فوزى الجناينى في كتابه بعنوان ” ثورة يوليو والمشرق العربى” وتحديدا في صفحتى ١٣٩ و١٤٠ من الكتاب
ان جماعة الإخوان المسلمين قابلت قرار إلغاء المحاكم الشرعية في مصر بالهجوم العنيف واتهام عبدالناصر بالعداء للإسلام فعقدت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا إجتماعا في ٣٠ سبتمبر ١٩٥٥ عقب صلاة الجمعة في الجامع الكبير في حلب واستنكرت هذا القرار ووزع المكتب التنفيذي التابع للإخوان منشورات فى جميع أنحاء سوريا بعنوان:-
” طاغية مصر يحارب الإسلام” ونددت في هذه المنشورات بالاجراءات التى قام بها جمال عبدالناصر وشبهته بكمال الدين أتاتورك وأن عبدالناصر يسير على خطى أتاتورك في القضاء على الإسلام.
وكذلك أصدرت رابطة علماء الشام بيانا نددت فيه بقرار عبدالناصر.
وكذلك فإن رجال الدين المسيحى وخاصة الطائفة الكاثوليكية في سوريا رفضوا قرار إلغاء المجالس الملية القبطية وأكدوا أن القرار يقضى على الحرية الدينية في مصر وهو مالم يحدث أبدا بعد تطبيق قرار الإلغاء.
أما الصحف السورية فقد أجمعت على أن مصر كانت موفقة كل التوفيق في القرار الذي اتخذته.
ونشرت صحيفة ” الإتحاد” السورية مقال بعنوان
” خطوة جريئة تخطوها حكومة الثورة في مصر”.
وذكرت في المقال أن حكومة الثورة أنهت بهذا القانون الفوضى القضائية التى كانت سبة في جبين مصر وقضت على الفساد وصانت سيادة الدولة.
وأوردت صحيفة ” صوت العرب” القرار في عناوين بارزة من صفحتها الأولى وكان أبرزها:-
” جمال عبدالناصر أتخذ أكثر القرارات جرأة وخطورة منذ خلع الملك فاروق”.
ولأن العدالة يتم تصنيفها تقليديا ضمن اختصاصات السلطة فلم يعترض المشايخ مطلقاعلى قانون إلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية.
ونشرت الصحف المصرية يوم ٢٦ سبتمبر ١٩٥٥ برقيات التهنئة من مختلف المشايخ الذين أيدوا قرار الحكومة.
وفى ٢٨ سبتمبر ١٩٥٥ نشرت صحيفة الأهرام خبر ومعه صورة لشيخ الأزهر عبدالرحمن تاج وهو يشكر الرئيس عبدالناصر على إتخاذ هذه الخطوة التحررية بإلغاء المحاكم الشرعية.

……………………………………………………………………………………………………….

الكاتب طارق صلاح الدين
الكاتب طارق صلاح الدين
  • المقال فصل من الجزء الثالث من كتاب عبدالناصر بلا تشويه للكاتب طارق صلاح الدين

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى