شفرة المراهقة بين الاجتياح والاحتواء (١١)

بيان

كان “جيمي” في المقام الأول طالبًا وموسيقيًا متألقًا ومحبًا للكتب – يعجب به الجميع – لكن والديه كانا قلقين بشأن انعزاله في غرفته لمدة طويلة، حيث أخبراني “نريده أن يجد مجموعة يخرج معها، وأن يكون له أصدقاء ينسجم معهم.. كباقي الأولاد”.

وأنا سأسألك نفس السؤال الذي طرحته على هذين الوالدين: 《هل بالفعل تريد أن يكون ابنك كباقي الأولاد في مجموعته؟، وإلى أي درجة تريده أن ينسجم معهم؟》
كذلك إعلم بأنه إذا كانت ابنتك كباقي الفتيات، فعلى الأرجح أنها ستفعل الكثير من الأشياء غير المستحبة بالنسبة لك في فترة مراهقتها، وستغش في الامتحان لتحصل على درجة أفضل، كما سيدخن ابنك بعض المواد المخدرة، ويكذب عليك بشأن مكان تواجده بليلة الجمعة.

ذلك لأن معظم المراهقين كالقوارض، لا يتّخذون قراراتهم بأنفسهم – بل تسيطر عليهم طريقة التفكير الجماعية، ولا يستطيعون مناصرة ما هو صحيح لأنهم لم يتعلموا القيام بذلك، لذا تراهم يسيرون مع الجماهير سواء كان في الصواب أو الخطأ. فلا تقلق أبدًا على مراهق لا ينسجم ضمن مجموعة محددة ( إلى أن تراه مكتئبا كنتيجة لذلك).

فيما يخص “جيمي” كان مجرد طفل، والمنعزلون يميلون لأن يكونوا أطفال فقط، استقرائيين، وأناسًا مؤهلين جدًا، لا يحتاجون لوجود شخص يسير معهم في كل ثانية، وهم رائعون في تسلية أنفسهم.

وإذا لم تكن ابنتك جزءًا من مجموعة شعبية مشهورة في المدرسة، هذا أمر جيد جدًا لها!، والدليل – عُد بذاكرتك إلى فصلك بالمدرسة الثانوية، وتذكر بأن الكثير من السيدات الجذابات المشهورات، والسادة البارزين في المدرسة الثانوية لم يصبحوا الأكثر نجاحًا وسعادةً بعد أن كبروا، أليس كذلك؟، لكن ماذا عن الأولاد الذين نبذتهم واعتقدت بأنهم لا يملكون أي شيء؟ هنا تكمن المفاجأة، أحدهم جراح للمخ، والآخر متخصص في ترميم طائرات الحرب العالمية الثانية.

وكما أقول دائمًا: 《إذا كان الإنسان يمتلك حصانًا جميلًا، يجب أن يتذكر أن الجمال يكمن في الحصان، لا في الإنسان》لذا علم أولادك المراهقين عن الأمور المهمة في الحياة – الأمور التي في داخلهم.. الجزء الذي سيستمر إلى ما بعد مجموعات المرحلة الثانوية التي تتغير أسبوعيًا.

تحدث مع أبنائك عن كيانهم الداخلي وشخصياتهم والقرارات التي يجب اتخاذها. ادعم أفعالهم الجيدة وسلوكياتهم بكلمات مثل “أنا فخور جدًا بالطريقة التي تعاملت بها مع ذلك الموقف، وسعيد جدًا لأنك ابني/ ابنتي.

انتهى الاقتباس الحادي عشر من كتاب “مراهق جديد في خمسة أيام”، لعالم النفس الأمريكي الشهير دكتور “كيفن ليمان”.

وبالنسبة لي عزيزي القارىء أجدني متفق تمامًا مع تلك الرؤية الفلسفية – ومفادها بأن الابن المراهق الانعزالي يجب عدم اعتبار عزلته “هوية شاذة”، أو سلوك غير مستحب – بل علينا مراقبته فقط من بعيد، وتركه يكتشف العالم ويتفاعل معه على طريقته الخاصة، يستمتع بحياته حسب سرعته المعتادة، دون تعجل أو نقد لاذع، وربما من الأفضل أن نحاول إقناعه بأن عزلته في حد ذاتها، مشروعًا طموحًا عليه استغلاله جيدًا في الانفتاح النافع، سواء بتعلم لغات أجنبية، أو علوم حديثة باستخدام أجهزة الحاسب الآلي، أو بالذهاب إلى أماكن تواجد الدورات التدريبية المنعقدة بمقابل مدفوع – إذا سمحت الظروف المادية لذلك، لأن هؤلاء الأبناء خُلقوا بصيغة إبداعية معينة، وطبيعة تتمتع بالخصوصية الشديدة، ومن المؤكد أن لديهم مشاعر خلاقة وطاقة فريدة، تجعل للعالم طابع خاص من الرقي والسمو، وقد تضيف لعالمنا إسهامات علمية وأدبية نادرة.

وحسب علم النفس الحديث فإن التوجه الانعزالي، لا يُعرف في كل الأحوال على أنه سلوك مرضي لصيق الصلة بانعدام الثقة بالنفس، والخوف من التنمر والفشل في التعبير عن الرأي – بل إن هؤلاء الشباب يحتاجون لتأمين دوافع تركيزهم على تحقيق هدف رئيسي من عزلتهم، وهو قراءة أفكار الآخرين وبناء رؤية ثاقبة وشاملة، قبل الإنخراط بشكل مفاجيء في تقديم هداياهم المميزة وغير المتوقعة، من محصلة خبراتهم المتراكمة، التي كونوها بالتأمل في اختلاء بناء ومثمر.

بالإضافة لكل ما سبق من رؤية علمية داعمة لصحة المراهقين الانعزاليين النفسية، لتكون بمثابة وقود ودافع لتنمية مهاراتهم الاتصالية وقدرات اندماجهم بالقدر المرضي لهم ولنا،، فإنني أنصح بجعل علاقتهم بربهم على رأس أولوياتهم، بالحث المستمر على الصلاة في مواقيتها، والإحسان إلى الفقراء، وتقبل الآخر، لأن مثل هذه السلوكيات الروحانية العظيمة، دائمًا ما يكون لها مفعول السحر في خلوة المرء بنفسه. ووجود هذا الرابط المقدس، تصاحبه البركة الإلهية الحافظة من العلي القدير، والداعمة لقراراتهم واستقراءاتهم الدنيوية الصحيحة لبواطن وظواهر الأمور، يقول الحق سبحانه وتعالى بسورة طه، بسم الله الرحمن الرحيم {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ} صدق الله العظيم.

وللحديث بقية.

اقرأ فى هذه السلسلة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى