أحمد عاطف آدم يكتب: انتحار مي غير مفاجئ
لم تكن حادثة انتحار فتاة مول “سيتي ستارز” طالبة طب الأسنان مفاجئة، ولا مروعة بشكل أقوى من واقع وهول الصدمة التي ارتسمت علي وجوه رواد المول عندما هوت أمامهم من الطابق السادس وارتطم جسدها بالأرض.
السبب في عدم تفاجؤ من لم يكن هناك وسمع فقط أو قرأ هو تعدد حالات الانتحار في الآونة الأخيرة بمجتمعنا المتدين بالفطرة مع الأسف، لكن هذه المرة نجد أنفسنا أمام سؤال يراود الجميع: لماذا أقدمت “مي” علي التخلص من حياتها وهي طالبة متفوقة تعيش بحي راقٍ مثل مدينة نصر ومستقرة اجتماعيًا لا تعاني العوز أو ما شابه من الضغوط؟!
وكما روت صديقتها المقربة خلال تحقيقات النيابة أن المنتحرة قبل حدوث الواقعة كانت تفكر في الخلاص من حياتها، فقط لتضييق والدها الخناق عليها ومنعها من الخروج المتكرر مع صديقاتها!؟.
ولا يخفى عليك عزيزي القارئ أن أوروبا والدول المتحررة من أي قيود لديها أسبابها التي لا يمكن أن نتخيل انطباقها علينا بهذا الكم والكيف، مثل الضغوط النفسية التي تسببها رفاهية الحياة وغياب الوازع الديني والملل من الروتين اليومي… إلخ.
وبحسب الإحصائيات الأخيرة فإن الفئة العمرية ما بين ١٥ و ٢٩ ودون الـ ٤٥ عامًا هي التي تستحوذ على أعلى الأرقام بين المنتحرين، كما طغت تلك الظاهرة بشكل واضح في المجتمعات والطبقات الراقية ذات الدخول المرتفعة، وهذا ما يتطابق تمامًا مع حادثتنا الأخيرة لفتاة المول عندما تحول صراعها مع والدها إلي يقين بعدم أحقيته في الحد من خروجها واندماجها مع أصدقائها بشكل مبالغ فيه
السبب الرئيسي في رأيي لانتحار “مي” هو التربية الخاطئة، والفجوة الاتصالية الكبيرة بين الأهل والأبناء، تلك الفجوة التي تبدو كفقاعة صغيرة لا ترى بالعين – المجردة من البصيرة – ثم تنمو وتستفحل بالقطيعة والانفصال الوجداني داخل الأسرة الواحدة عندما يحل ” التاب واللاب” ومواقع التواصل محل لمة العيلة وتبادل المعلومات والآراء بالعقل وباللسان وليس “بالكيبورد والشات الصامت” عبر أميال.
لذا تبقى “مي” ضحية بداية ولوج خاطئ للحياة بأفكار ومعتقدات شاذة غير واقعية عن الحرية، باعتبارها مطلقة بلا حدود أو مرجع أساسي وواضع لحدودها وهما الوالدان، وليس غول الاستقلال الأعمى الذي نسلم له أبنائنا بأيدينا ليسيطر عليهم ويلغينا، ثم يأبى في النهاية أن يترك لنا مكانه لنستعيد دورنا وقدسيتنا بقلوب وقناعات فلذات أكبادنا من جديد.