سلمى محسن عبد الله تكتب: تفضلها ورقية أم رقمية؟

بيان
عرف الإنسان القراءة منذ القِدم، وكانت وسيلة أساسية يتناقل بها البشر مختلف العلوم والعادات والتقاليد عبر الأجيال، ما بين ألواح وجلود وأوراق.
ومثل كل شيء آخر في عصر التكنولوجيا، تطورت القراءة ووسائلها والكتب نفسها، فظهرت القارئات الإلكترونية (Kindle)، وأصبحت الكتب الرقمية متوفرة على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية.
وبينما يتمسك البعض بالكتب الورقية، يُفضل البعض الآخر الكتب الرقمية، فهل هي مجرد تفضيلات شخصية؟ أم أن أحدهما يتفوق على الآخر بالفعل؟
غالبًا ما يتمسك الجيل الأكبر بالقراءة الورقية؛ لما نشأ عليه من مجلات وكتب محببة إليه، متمسكًا بشكل أساسي بذكريات قديمة جميلة، وبالشعور الذي كان مصاحبًا لشراء كتاب جديد، أو صدور عدد جديد من مجلة ذات تفضيل خاص.
بينما نشأ جيل أصغر على الكتب الورقية في طفولته، وظهرت الكتب الرقمية في بداية شبابه، فرآها أكثر سلاسة وتوافرًا وذات مميزات متنوعة. أما الجيل الذي نشأ على منصات التواصل الاجتماعي ولا يكاد يُجيد القراءة أو الكتابة، فلا عزاء له فيما فقد من متع القراءة.
وقد يكون ذلك لأسباب معنوية، كأن يكون الكتاب مُهدًى من عزيز، أو أنه أول كتاب اعتاد صاحبه الكتب الورقية يرى فيه طيفًا ليكمل رحلة ما، أو أنه اشتراه بأول راتب له، لربما تُرضي الأوراق حواسه، برائحتها المميزة وملمسها المرن، فكأنما تغمره معها بين الكلمات.
كما أنها تحلق بقارئها بعيدًا عن التكنولوجيا، فلا ضوء أزرق مؤذٍ للعين، ولا إشعارات وتنبيهات تُشتت الانتباه. لكن لها بالتأكيد بعض العيوب، كصعوبة التنقل بها، وحاجتها لمساحة تخزين فعلية، وتكلفتها التي قد تعلو بشكل مبالغ فيه، وإمكانية تعرضها للتلف أو التهتك.
بخلاف الكتب الورقية، تُخزَّن الكتب الرقمية في مساحة تخزين إلكترونية قابلة للتوسيع، ويسهل التنقل بها كلها في أي مكان، وتتوفر أغلب الكتب بشكل مجاني عبر الإنترنت، بالإضافة إلى بعض الميزات الإلكترونية الإضافية مثل التعديل أو التراجع فيه، والتنظيم وسهولة الوصول، والترجمة، والبحث السريع داخل الكتاب، لكنها قد تسبب صداعًا أو إجهادًا للعين عند استخدامها لفترة طويلة، وبمجرد نفاد بطارية الجهاز لا تستطيع الوصول إلى أي من كتبك، غير أنك قد تفقدها بشكل تام إذا حدث عطل أو اضطررت إلى إعادة ضبط جهازك، بجانب افتقارها لعنصر الإرضاء الحسي.
فبالتالي، ترجح كفة الكتب الورقية من جهة الأضرار الصحية، فلا تعرض القارئ لضوء أزرق؛ ما يجعلها مناسبة لجلسات القراءة الطويلة، وتزيد اندماج القارئ بالتغذية الحسية من ملمس ورائحة، بالإضافة لارتباطها بمشاعر قيمة ومميزة.
لكن على الجانب الآخر، الكتب الرقمية تتميز بسهولة الوصول إليها وتخزينها، واستفادتها من التطور التكنولوجي في ميزات مثل البحث والترجمة والتعديل، وتوافر مختلف أنواعها على الإنترنت وبشكل مجاني في الغالب.
قد يظل السؤال قائمًا: أيهما أفضل؟ وربما يصل الأمر إلى صراع ما بين محبي كل نوع. لكن في النهاية، تظل الإجابة محايدة، فكل شخص يختلف عن الآخر، وكل شخص يقدّر المزايا بشكل مختلف؛ فمن يسافر كثيرًا سيفضل بالتأكيد الكتب الرقمية، ومن جمع بالفعل قدرًا مهولًا من الكتب القديمة والنادرة ذات ارتباط عاطفي ما، فمن المؤكد أنه لن يتخلى عنها.
ومن يملك بيتًا كبيرًا أو غرفة مكتبة خاصة، لن يمانع الكتب الورقية القابلة للتلف أو التهتك التي تستهلك مساحة تخزين كبيرة.
وعلى الرغم من اختلاف البشر، فقد اتفقوا على أهمية القراءة، وأن لها مكانة مميزة ومتعة خاصة، رقمية كانت أو ورقية. لكن، هل سيأتي يوم وتمحو إحداهما الأخرى؟