طارق صلاح الدين يوثّق: بالأدلة محمد علي باشا أكبر لص فى تاريخ مصر

بيان
منذ بدأت التفكير في إصدار الكتاب الأسود لمحمد على، وضعت الشعب المصرى كأساس تقييم لهذا العصر وكل العصور التالية له.
والشعب المصرى كمعيار للحكم على عصر محمد علي يكشف لنا بجلاء أحوال المصريين البائسة فى هذا العصر البغيض.
ونلقى فى التالى الأضواء وبكثافة على الأضرار الرهيبة التى لحقت بالمصريين كنتيجة طبيعية لقرارات الباشا الظالمة مما يجعل النهضة الزراعية والصناعية والتجارية التى حققها محمد علي ويتشدق بها المتباهين بالعصور الملكية مجرد مجد شخصى له ولم يحصل الشعب المصري منها على شىء بل على العكس فقد تدهورت بشدة أحوال الفلاحين والصناع والتجار وبقيت ثمار النهضة للباشا وأسرته وقواد جيشه الذى كان الأداة الفاعلة لتحقيق الأطماع الشخصية والتوسعية لمحمد على.
والجدير بالذكر أن ملكية الأراضى الزراعية في مصر قبل محمد علي باشا كانت موزعة على المماليك وأصحاب الإلتزام وهم كبار الملاك والأعيان والمشايخ وبعض الفلاحين الذين كانوا يملكون جزءا بسيطا من الأراضى الزراعية.
وقام محمد علي بالاستيلاء على أراضى المماليك فى الوجه البحرى بعد حربه على الإنجليز عام ١٨٠٧.
واستولى على البقية الباقية من أراضى المماليك بعد مذبحة القلعة.
أما باقى ملاك الأراضى الزراعية فقد لجأ محمد علي معهم إلى التهديد والوعيد.
واستولى على أراضى الأوقاف وجعلها تحت رقابته الشخصية وعندما احتج العلماء على ذلك أخبرهم الباشا أنه الوالى الذى نصبه الخليفة العثمانى وأنه الأحق برعاية الأوقاف والإشراف عليها.
وبعد أن اغتصب محمد علي أراضى المماليك والأوقاف تحول إلى نزع ملكية الأراضى الزراعية التى يمتلكها عامة الشعب بنفس منطق نيابته للخليفة العثمانى على مصر فطلب من جميع الملاك إحضار حجج وأوراق ملكية الأراضى الزراعية لفحصها وادعى بطلان بعضها ثم قام بحق حجج ملكية جميع الأراضى وأعلن نفسه المالك الأوحد لكل أراضى مصر ولم تستطع المحاكم ولا القضاة معارضته وأصبحت أراضى مصر بالكامل في قبضة الباشا بالاحتيال والسرقة ودون دفع مقابل مادى لأصحابها.
وورد ذلك بكثير من التفصيل فى كتاب” تاريخ مصر من الفتح العثمانى إلى قبيل الوقت الحاضر” تأليف عمر السكندرى وسليم حسن وتحديدا في صفحة ١٤٩ من الكتاب.
وقام محمد علي بإلغاء نظام الإلتزام وأقام نظام الاحتكار الذى جسد في حقيقة الأمر احتكار محمد علي جميع أراضى مصر الزراعية ونتج عن ذلك تذمر الملتزمين وهم الملاك والأعيان والمشايخ الذين أعلنوا غضبهم من استيلاء الباشا على أراضيهم فترك لهم محمد علي جزءا بسيطا جدا من الأراضى الزراعية وأطلق عليها ” الأطيان الوسية” والتى هدف الباشا منها مساعدة الملتزمين على سداد أعباء الإلتزام بدفع الضرائب لمدة سنة للحكومة ثم تحصيلها من الفلاحين.
وحتى الأراضى الموقوفة للمساجد ومعاهد البر والخيرات فقد استولى عليها محمد علي وضمها إلى أملاك الحكومة والتى كانت فى حقيقة الأمر املاك الباشا الذى تعهد بالإنفاق على المساجد ولكنه كان إنفاق فى أضيق الحدود ومنح معاشات سنوية ضئيلة للشيوخ الذين يديرون الأطيان الموقوفة.
وأعلن الباشا نفسه مالكا لجميع أراضى القطر المصرى وألغى الملكية الفردية وأدخل مسمى المنفعة العامة لنزع ملكية مايشاء من الأراضى دون دفع أية تعويضات.
ولمزيد من سرقة جهد الفلاحين بعد سرقة أراضيهم ابتدع محمد علي نظاما جديدا تقوم الحكومة بمقتضاه بإمداد الفلاحين بما يلزمهم من آلات زراعية ومواشى ومستلزمات الزراعة وتحدد لكل فلاح المساحة المؤجرة له والمحاصيل التى يزرعها ثم تشترى الحكومة من الفلاحين محاصيلهم بالثمن الذى تحدده هذه الحكومة وبعد خصم ثمن مستلزمات الزراعة تبيع الحكومة للفلاحين مايحتاجونه من محاصيل لاستخداماتهم المعيشية من حبوب وخضروات بالثمن الذى تحدده الحكومة أيضا.
وتسبب هذا الظلم الشديد المزدوج للفلاح بإنتشار الفقر الشديد والعوز في معظم قرى مصر.
وعلق المسيو مانجان قنصل فرنسا العام فى مصر والصديق المقرب لمحمد على بقوله:-
” إن التعديلات التي أدخلها الباشا فى نظام الملكية الزراعية لم تكن متفقة مع الصالح العام فلاهو احترم الملكية الفردية ولا هو أعترف بها.
كما أن الذين عجزوا عن دفع الاتاوات والضرائب التى تم فرضها على الملاك اضطروا في النهاية إلى التنازل عنها”.
وذكر المستشرق الفرنسي المسيو مورييه في كتابه ” مصر الحديثة فى الفترة من ١٨٤٠الى ١٨٥٧” أن الاحتكار هو الجانب السيء في تاريخ محمد علي باشا وأنه لاحاجة بنا إلى الإطالة في عيوب نظام الاحتكار كما وضعه محمد علي فقد ربح الباشا منه أرباحا طائلة ولكنه أفضى إلى فقر شديد للفلاحين وكاد يهوى بهم إلى المجاعة لولا ما اعتادوا عليه من القناعة وشظف العيش.
وبعد استيلاء محمد علي لنفسه على أراضى مصر قام باقتطاع مائتى ألف فدان مع اعفائها من الضرائب ومنحها للمقربين منه من أعيان الدولة وكبار الموظفين وقواد جيشه وشكلت هذه الأراضى نواة الإقطاع في مصر.
ومنح الباشا أفراد أسرته وحاشيته أراضى أوسع وأكبر بكثير واعفاها أيضا من الضرائب وأطلق عليها “جفالك” ومنح أصحابها حجج ملكية موثقة بالمحاكم الشرعية وبفرمان منه.
وينسب المدافعون عن محمد علي لحكمه زيادة مساحة الأرض الزراعية من ٢مليون فدان عام ١٨٢١ الى ٣مليون و٨٥٦ ألف فدان عام ١٨٤٠.
ونرد على هؤلاء بأن العبرة ليست بزيادة رقعة الأراضى الزراعية بل بانعكاس هذه الزيادة على الفلاحين بوجه خاص وعلى الشعب المصري بوجه عام وهو مالم يحدث أبدا لأن الذى جنى خيرات هذه الأراضى بعد تضاعف مساحتها هو الباشا وأسرته وحاشيته وكبار قواده والأعيان فقط بينما عاش الفلاحون وعموم الشعب المصري فى ضنك وشظف العيش طوال عصر محمد علي.
ولم يكتف محمد علي بكل ماسبق بل فرض الضرائب الباهظة على الشعب كى يمول حملات جيشه لتحقيق أطماعه التوسعية ومصالحه وليس مصالح المصريين الذين دفعوا سلسلة طويلة من الضرائب لسداد ثمن أطماع محمد علي.
وفى إطار الحملات الوهابية فرض محمد علي ضريبة على ” أراضى الرزق” التى كانت معفاة من الضرائب فنتج عن ذلك ضياع غلة الأطيان الموقوفة للمساجد والمعاهد الدينية والأسبلة والمنشآت الخيرية.
وقامت الحكومة بتصدير جزء من المحاصيل الزراعية إلى إنجلترا وفرنسا والنمسا وإيطاليا فربحت مبالغ ضخمة مما أدى إلى احتكار الحكومة لكافة المحاصيل والاتجار بها مع فرض حظر على قيام الفلاحين ببيع أى جزء منها للتجار مما زاد من الفقر المدقع للفلاح.
ولجأ محمد علي إلى فرض ضريبة ثابتة على الاطيان تراوحت بين أربعة قروش وتسعة وأربعين قرشا على الفدان الواحد وفى غضون سنوات قليلة ضاعف الباشا هذه الضريبة بحجة استنزاف الحروب لإيرادات الحكومة.
وبخلاف الزراعة والأراضى الزراعية قام محمد علي باحتكار الصناعة فى جميع أنحاء القطر المصرى وأعلن نفسه الصانع الأوحد.
وبعد أن كان الصناع يستثمرون في هذه الصناعات فقد تحولوا إلى عمال فيها لحساب الباشا وحكومته ويقبضون رواتب معلومة كالعمال المأجورين مما أضر بالصناعة بشكل خاص وبالحالة الإقتصادية فى مصر بشكل عام.
وعلى سبيل المثال لا الحصر شهدت صناعة الغزل والنسيج والجلود قبل احتكار محمد علي لها نسبة أرباح للقائمين عليها من البيع لأهالى البلاد ثم تصدير مايتبقى إلى الخارج أرباحا بلغت ١٥٠ ألف جنيه سنويا ولكن بعد احتكار هذه الصناعات واضافتها إلى ثروة محمد علي فقد لحق الضرر بأصحاب هذه الصناعات وتلفت مصادر ثرواتهم وتم حرمانهم من حصاد جهدهم.
وبلغت إيرادات الحكومة المصرية عام ١٨٣٣ مبلغ ٢مليون و٢٥٢ ألف و٢٧٥ جنيه أغلبها من الضرائب التى فرضها محمد علي ودفعها المصريون من اقواتهم.
وبلغت ميزانية جيش محمد علي ٦٠٠ ألف جنيه بخلاف مرتبات الضباط الأتراك والألبان التى بلغت ١٩٩ ألف جنيه ومخصصات المهام الحربية التى بلغت ٧٠ ألف جنيه.
وبالطبع فإن رتب الضباط كانت ممنوعة على المصريين بأوامر الباشا محمد علي.
وبلغت تكلفة إنشاء القصور الجديدة ٩٠ ألف جنيه ومخصصات صيانة القصور ٥٠ ألف جنيه.
وأجور الخيالة الأتراك غير النظاميين ” الباشبوزق ” ٣٢ ألف جنيه.
وطبقا لكتاب ” تاريخ الحركة الوطنية وتطور نظام الحكم” تأليف المؤرخ عبدالرحمن الرافعى وتحديدا في صفحة ٦٠٩ يؤكد الرافعى أن قيام الباشا محمد علي بحرمان المصريين من حق التملك واستهدافه للشعب المصري بالضرائب الفادحة بالإضافة إلي مساوىء نظام الاحتكار ومظالم الحكام فقد أصبح المصريون في حالة تعسة لأن زيادة الحاصلات الزراعية وإقامة أعمال العمران لم يقترن بها ارتقاء حالة الفلاح الإجتماعية على الإطلاق لدرجة ان المسيو مانجان قنصل فرنسا وصديق محمد علي وصف هذا العهد قائلا:-
” إذا صح أنه لايوجد فى العالم بلد أغنى من مصر من الوجهة الزراعية فليس ثمة بلاد أخرى اتعس منها سكانا وإذا بقى العدد الذى بها من السكان عام ١٨٣٢ فذلك يعود إلى خصوبة أرضها وقناعة فلاحها”.
ولم يكن التجار أحسن حالا من الزراع والصناع فرغم زيادة تجارة مصر فى هذا العصر فإن ثمرة التجارة كانت تعود إلى الباشا ممثلا في الحكومة وكذلك الوسطاء الأجانب بينما قلت ثروات التجار المصريين وحل الفقر محل اليسر وتناقص عدد التجار المصريين بشكل ملحوظ ولم يظهر من التجار المصريين من يشغل مركزا كبيرا في عصر محمد علي.
وفى الختام أؤكد على تحول محمد علي المحتكر الأول لخيرات مصر إلى صورة بغيضة من رأسمالية الدولة التى هى فى الحقيقة رأسمالية الحاكم في أبشع صورها المتوحشة على الشعب الذى دفع الأثمان الباهظة وتجرع الفقر الشديد.
وحصاد حكم محمد علي تجسد في خلق الباشا ولأول مرة فى تاريخ مصر اقطاعا حقيقيا له ولأسرته وقواده وحاشيته بعد أن كان هذا الإقطاع نظريا وفى أضيق الحدود.
الخلاصة:-
” أنسب وصف لمحمد على أنه أكبر لص فى تاريخ مصر الحديث.
سرق أراضى مصر من أصحابها، ثم قام بحرق حجج الملكية.
ونفذ أكبر عملية سطو على صناعة مصر وتجارتها.
ولم يستفد الشعب المصري مطلقا فى عصر محمد علي من خيرات بلاده التى دفع ثمنها من قوته ودمه.
وتمتع الباشا وحده وأسرته من بعده بعد أن سطروا صفحة حالكة السواد في تاريخ مصر.
………………………………………………………………………………….
المراجع.
– كتاب تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر تأليف عبدالرحمن الرافعى.
– كتاب محمد علي واولاده تأليف جمال بدوى.
– كتاب تاريخ مصر فى عهد محمد علي تأليف فليكس مانجان.
– كتاب مصر الحديثة فى الفترة من ١٨٤٠الى ١٨٧٥ تأليف المستشرق الفرنسي مورييه.
– كتاب تاريخ مصر الحديثة تأليف محمد عبدالرحيم مصطفى.
– كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار للمؤرخ عبدالرحمن الجبرتي.
– كتاب تاريخ مصر من قبيل الوقت الحاضر إلى العصر العثمانى تأليف عمر السكندرى وسليم حسن.
………………………………………………………………………………………………………

الموضوع فصل من الكتاب الأسود لمحمد على
لكاتبه: طارق صلاح الدين