نقطة تحول تاريخية: لبنان يقترب من أول انتصار كبير في نزع سلاح المليشيات خارج الدولة

كتب: أشرف التهامي
يعتقد المراقبون أن بداية تفكك لبنان عندما تسلحت الفصائل الفلسطينية لأول مرة؛ والآن، وسط الفقر والتهميش للفلسطينيين داخل مخيمات اللاجئين، قد يبدأ عصر جديد؛ ويمثل البيان المشترك النادر مع عباس تحولاً – لكن الاختبار الأصعب لم يأت بعد.
استُقبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بيروت يوم الأربعاء بحفاوة، وعقب الاستقبال، توجه مباشرةً إلى لقاءٍ مع الرئيس اللبناني جوزيف عون في القصر الرئاسي ببعبدا، صدر بعده بيانٌ مشتركٌ غير اعتيادي.
وبالإضافة إلى الإدانة المعتادة للضربات الإسرائيلية في غزة ولبنان، تناول البيان القضية الرئيسية التي جلبت عباس إلى لبنان وهى: نزع سلاح مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في البلاد، وهي العملية التي من المتوقع أن تبدأها الحكومة اللبنانية في يونيو/حزيران المقبل.

المخيمات الفلسطينية الرسمية في لبنان

يستضيف لبنان 12 مخيمًا رسميًا للاجئين الفلسطينيين:
البداوي.
البص.
الرشيدية.
المية ومية.
برج البراجنة.
برج الشمالي.
شاتيلا.
ضبية.
عين الحلوة.
مار الياس.
وافل.
نهر البارد.
في وقت مبكر من شهر مارس، ظهرت تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا تضغطان على لبنان لاتخاذ قرار رسمي بنزع سلاح المخيمات – “بالقوة إذا لزم الأمر” – ووقف أنشطة الفصائل الفلسطينية العاملة داخل البلاد.
سبقت زيارة عباس استعدادات كبيرة، بما في ذلك زيارات مسبقة من نجله ياسر عباس ورئيس المخابرات العامة الفلسطينية ماجد فرج. ووفقًا للتقارير، ركز فرج على قضية الأسلحة – ليس فقط في المخيمات جنوب نهر الليطاني، ولكن في جميع المخيمات في جميع أنحاء لبنان.
وبحسب ما ورد اقترح أن تساعد السلطة الفلسطينية في المرحلة الانتقالية، على أن يتولى أفراد أمنها المسؤولية داخل المخيمات، بالتنسيق مع مسؤولين حكوميين لبنانيين معينين.

لماذا يحدث كل هذا الآن؟

منذ إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يسعى “لبنان الجديد” – بقيادة الرئيس جوزيف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري – جاهدًا لتحقيق هدف غير مسبوق: ترسيخ احتكار الدولة الحصري للاستخدام المشروع للقوة، وبالتالي إخضاع جميع الجماعات المسلحة لسيطرتها.
هذه ممارسة معتادة في أي دولة ذات سيادة، لكن لبنان لطالما تحدى هذا التصنيف. ولن يكون تحويله إلى دولة “طبيعية” بالأمر الهيّن؛ فحزب الله، رغم ما مر به من محاولات لإضعافه، لا يزال حزباً قوياً ذو نفوذ كبير وقاعدة دعم قوية.
كخطوة نحو هذا الهدف، يسعى لبنان إلى تحقيق “انتصارات صغيرة”، واضعًا نزع سلاح مخيمات اللاجئين الفلسطينيين – وهو إرث من حقبة “فتح لاند” وحرب لبنان الأولى – هدفًا رئيسيًا.
في 6 مايو/أيار، أفادت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، الموالية لحزب الله، بتصاعد التوترات بين السلطات اللبنانية وحماس، مشيرةً إلى اتخاذ قرار ليس فقط بنزع سلاح حماس، بل أيضًا بتعطيل أنشطتها في جميع أنحاء البلاد، على غرار النهج المتبع مع حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.
وأفادت التقارير بتسليم بعض أعضاء حماس المتهمين في إطلاق الصواريخ على إسرائيل في مارس/آذار إلى الجيش اللبناني.
ووفقًا للصحيفة، يتزايد الضغط الدولي على لبنان لطرد أعضاء حماس. ومع ذلك، لا تزال مخيمات اللاجئين الاثني عشر، التي لطالما شكلت تهديدًا لإسرائيل، حتى قبل هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول بوقت طويل، تشكل المعاقل الرئيسية للمنظمات الفلسطينية.
هذا وتتباين التقديرات بشأن عدد الفلسطينيين في لبنان. وتشير تقارير “الأخبار” إلى أن عدد السكان المسجلين يبلغ نحو 520 ألف نسمة، لكن من المعتقد أن العدد الفعلي يبلغ نحو 280 ألف نسمة، مع تسجيل نحو 230 ألف نسمة فقط في برنامج الطوارئ التابع للأونروا.
لا تعاني المخيمات من انتشار الأسلحة فحسب، بل تعاني أيضًا من تدهور الأوضاع الإنسانية. فقد انخفضت خدمات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة التي تقدمها الأونروا إلى أدنى حد.
كما يواجه السكان تمييزًا منهجيًا ونقصًا في الحقوق مقارنة بالمواطنين اللبنانيين “بحسب المراقبين.” يُمنع الفلسطينيون من العمل في العديد من المهن – مثل الطب والصيدلة والتمريض والقانون والهندسة والتعليم – ولا يمكنهم دخول هذه المجالات إلا عندما يكون هناك نقص كبير في العمالة.
ونتيجة لذلك، يتولى الكثيرون وظائف وضيعة منخفضة الأجر ويواجهون معاملة أقل من المستوى المقبول لديهم، حيث قال فلسطيني يُدعى وليد لصحيفة الأخبار: “ينتظر السكان من ينظر إليهم كبشر، وليس كمجموعة تعيش في منطقة معزولة تسمى “مخيم”، وليس كقضية سياسية أو أمنية”.
تصف وسائل الإعلام العربية المخيمات بأنها تواجه واقعًا مريرًا وفوضويًا. على مر السنين، وصل اللاجئون السوريون أيضًا، لكن الفلسطينيين لا يزالون الأغلبية، حيث قال علي الرفاعي، رئيس اللجان الشعبية الفلسطينية في بيروت، إن مخيم مار إلياس كاد أن يحترق قبل بضعة أسابيع لأن سيارات الإطفاء لم تتمكن من الوصول إلى موقع الحريق في وسط المخيم. وأضاف أن نقل المريض أو إقامة جنازة يتطلب في كثير من الأحيان استخدام أسطح المنازل، وأن البناء غير القانوني على نطاق واسع يعرض سلامة السكان للخطر.
كما أشيع إنتشار تعاطي المخدرات بشكل واسع في المخيمات. ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، أسفرت اشتباكات بين تجار المخدرات في مخيم شاتيلا ببيروت عن إصابات.
وفي أعقاب أعمال العنف، أعلنت الأونروا تعليق جميع أنشطتها في المخيم يوم الاثنين لضمان سلامة الموظفين. وأظهرت مقاطع فيديو نُشرت في اليوم نفسه إطلاق نار في المخيم وفرار السكان. واستمرت الاشتباكات حتى يوم الثلاثاء.

حزب الله يلتزم الصمت والفلسطينيون يطلقون النار

صدر يوم الأربعاء، عقب اجتماع عون وعباس، بيان لبناني-فلسطيني مشترك، يهدف إلى معالجة الأوضاع المتردية في مخيمات اللاجئين وقضية السلاح.
قُسّم البيان إلى ثلاثة أقسام:
الاتفاقات السياسية.
الاتفاقات المتعلقة بالوضع القانوني للفلسطينيين في لبنان.
الالتزامات المتعلقة بالأمن والاستقرار الوطنيين.
أكد البيان التزام الجانبين بـ”حل عادل” للفلسطينيين يسمح لهم “بالعودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها في وطنهم (إسرائيل)”، ورفض أي مبادرات “لإعادة التوطين” أو “التهجير”.
وأكد البيان عمليًا أن أزمة اللاجئين الفلسطينيين واقع دائم، مؤكدًا دعم الأونروا، ودعا إلى زيادة التمويل اللازم لها للوفاء بالتزاماتها، واتفق الطرفان على إنشاء لجنة لبنانية-فلسطينية مشتركة لمراقبة الأوضاع في المخيمات، والعمل على تحسين ظروف معيشة اللاجئين مع احترام السيادة والقانون اللبنانيين.
كما أكدا التزامهما بضمان ظروف معيشية كريمة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، دون المساس بحقهم في العودة أو هويتهم الوطنية.

ما يتعلق بالأمن والاستقرار

وفيما يتعلق بالأمن والاستقرار نصّ الإعلان على أن “كلا الطرفين يؤكد التزامهما بمبدأ احتكار الدولة للسلاح”، مضيفًا أن “عهد السلاح الخارج عن سيطرة الدولة قد ولّى، لا سيما بعد عقود من التضحيات التي قدمها اللبنانيون والفلسطينيون على حد سواء”.
وأكد عباس وعون على ضرورة تعزيز التنسيق بين السلطات اللبنانية والفلسطينية للحفاظ على الاستقرار داخل المخيمات وحولها، وتعهد الجانب الفلسطيني بعدم استخدام الأراضي اللبنانية لأي نشاط عسكري، واحترام سياسة لبنان في عدم التدخل في النزاعات الخارجية.
كما اتفق الجانبان على تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف، وضمان عدم تحول المخيمات إلى ملاذ للتنظيمات المسلحة.
مع ذلك، يتضمن البيان تحذيرًا رئيسيًا:
عباس لم يمثل قط الفصائل الإسلامية، ومن غير المرجح أن تطيع هذه الجماعات داخل الجالية الفلسطينية في لبنان سلطته. أوضح البروفيسور إيال زيسر، الخبير الإسرائيلي في التاريخ اللبناني والسوري الحديث ونائب رئيس جامعة تل أبيب، أن عباس لا يكترث إلى حد كبير بجهود لبنان لاحتكار السلاح، لأن الضغط يقع على حماس. وأشار زيسر إلى أن عباس لا يكترث بما إذا كان اللاجئون في المخيمات مسلحين أم لا.

وجهة النظر الإسرائيلية للبيان

قال زيسر: “تاريخيًا، بدأت مشاكل لبنان في مخيمات اللاجئين. شكّل الفلسطينيون ميليشيا مسلحة في سبعينيات القرن الماضي، مما أدى إلى تدهور الوضع. علاوة على ذلك، دعم الفلسطينيون في البداية حزب الله.
فكان عماد مغنية، القيادي البارز في حزب الله الذي استشهد عام ٢٠٠٨، عضوًا في منظمة التحرير الفلسطينية. لذا، لا يمكن معالجة قضية دون معالجة أخرى. تُعدّ المخيمات أيضًا بؤرًا للمنظمات الإسلامية. بالنسبة للبنان، فهي لا تقل أهمية عن حزب الله، ومن الأسهل بكثير معالجتها أولًا”.
وأضاف زيسر أنه في حين أن نزع سلاح حزب الله أكثر تعقيدًا، إلا أن حزب الله على الأقل التزم الصمت، ملتزمًا بالتفاهمات مع الحكومة وممتنعًا عن الرد على الضربات الإسرائيلية.
على النقيض من ذلك، “الفلسطينيون هم من يطلقون النار أحيانًا ويثيرون المشاكل”. وقال إنه خلال الأشهر الستة الماضية، أثبت حزب الله أنه أكثر انضباطًا. “إذا أبرمت صفقة مع الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، فإنها تصمد، لكن حماس تطلق الصواريخ فجأة”. وأكد أنه في حين أن إطلاق الصواريخ على إسرائيل في مارس جعل نزع السلاح أكثر إلحاحًا، إلا أن القضية ستطفو على السطح بغض النظر عن ذلك.
على الرغم من تصريحات عباس، لن تشارك السلطة الفلسطينية في عملية نزع السلاح – فهي تفتقر إلى السلطة اللازمة لذلك. ومع ذلك، ووفقًا للبروفيسور زيسر، يتمتع لبنان حاليًا بدعم دولي وعربي في هذه القضية، ولا تشكل الفصائل الفلسطينية تهديدًا هائلًا كما كانت في السابق.
لذلك، من المحتمل أن يتم نزع سلاح هذه الجماعات الفلسطينية، كما أشار زيسر إلى أن “الجيش اللبناني دمّر مخيم نهر البارد للاجئين قبل ثمانية عشر عامًا أثناء مواجهته مع القوى الإسلامية. لذا، إن أراد اللبنانيون ذلك، فبإمكانهم فعله”.
لكن في مواجهة هذه المهمة، يواجه لبنان تحديًا أكبر وأهم بكثير: نزع سلاح حزب الله. لقد تطور حزب الله ليصبح واحداً من أكثر الجيوش غير الحكومية تسليحًا في العالم. وصرح الرئيس اللبناني مؤخرًا: “ليس أمام حزب الله خيار سوى قبول إطار الدولة”، مؤكدًا على حق حزب الله في “المشاركة السياسية” ضمن هذا الإطار.
يعارض نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، نزع السلاح بشدة. في نهاية أبريل، ظهرت تقارير تفيد بأن حزب الله يسعى إلى دمج ترسانته في “استراتيجية الدفاع” اللبنانية.
وأكدت مصادر مجهولة أن حزب الله لن يتخلى عن أسلحته إلا إذا:
انسحبت إسرائيل من الأراضي اللبنانية.
أطلق سراح السجناء اللبنانيين.
توقفت إسرائيل عن انتهاكاتها للمجال الجوي اللبناني – وهي شروط من غير المرجح أن تضمنها أي سلطة.
ومع ذلك، فإن حزب الله اليوم أضعف بكثير مما كان عليه في السابق، وكذلك حليفته إيران. وسيُظهر الوقت ما إذا كانت هذه الفرصة التاريخية ستُفوَّت أيضًا.

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى