وائل نجم يكتب: نوال الدجوى.. قصة الثروة والأمان والخيانة

بيان
تابعت مثل ملايين المصريين أخبار جريمة السرقة التى تعرضت لها أحد أقطاب التعليم المعاصريين فى مصر نوال الدجوى، وأيضا مثل الملايين أدهشنى حجم السيولة المالية، والثروة العينية التى تحتفظ بها فى مسكنها الخاص، وتساءلت مثل الكثير ممن تابعو الأخبار المنشورة عن الجريمة: لماذا؟.. لماذا تحتفظ هذه السيدة فى هذا العمر بكل هذه الثروة فى مسكنها الخاص؟!.
ما سبق كان أول ما لفت انتباهي – كما لفت انتباه كثيرين – لم تكن الجريمة ذاتها، بقدر ما كان حجم السيولة المالية والثروة العينية التي ضُبطت ضمن ممتلكاتها الخاصة داخل منزلها، والتي أثارت موجة من التساؤلات والدهشة على حد سواء: لماذا تحتفظ سيدة تجاوزت الثمانين من عمرها بكل هذه الثروة في مسكنها الخاص؟ ما الذي يدفع شخصًا مرّ بتجارب طويلة في الحياة، وشهد ما يكفي من تقلّباتها، إلى ترك أموال بهذا الحجم خارج النظام المصرفي؟
ربما الإجابة، في جوهرها، ليست متعلقة فقط بالسيدة نوال الدجوي، وإنما تعكس جانبًا أعمق في نظرتنا كمجتمع إلى المال، والأمان، والخوف، والثقة.
الخوف الكامن خلف الأبواب المغلقة
في هذا البلد، كم من الناس ما زالوا يخبئون أموالهم في أماكن غير آمنة؟ تحت البلاط، خلف الدواليب، أو حتى في أكياس بلاستيكية بين الثياب القديمة؟ لماذا؟ هل هي أزمة ثقة في البنوك؟ أم هي ذاكرة الأزمات الاقتصادية التي علّمت الناس أن الورق النقدي أكثر طواعية من الشيكات والحسابات؟ أم هو ببساطة شعور قديم بالأمان الزائف حين ترى مالك بعينيك؟
ربما لدى نوال الدجوي أسبابها. ربما تعلّمت من تجارب صعبة أن تعتمد على نفسها فقط. ربما لم تعد تثق بالمؤسسات، أو أنها اعتادت أن تكون هي الحارس على ثروتها.
لكن الغريب – بل المحزن – أن كل هذه الثروة، ورغم ما فيها من رمزية للنجاح والاستقلال، لم تمنع عنها الخوف، ولم تمنع عنها التعرض لانتهاك أبسط حقوق الإنسان: الخصوصية والأمان داخل منزله.
ثروة لا تحمي من الوحدة
وفي لحظة ما، بدا المشهد كله وكأن الحياة تنقلب على قوانينها، سيدة عاشت سنوات طويلة من الجهد في بناء مؤسسات تعليمية ناجحة، وحققت لنفسها مكانة مرموقة، تُصبح فجأة ضحية لجريمة تُدار من داخل بيتها، بأيدٍ لم تأتِ من الخارج، بل من المقرّبين الذين رأتهم واطمأنت إليهم يومًا.
هذا يضعنا أمام سؤال أكثر مرارة: ما الذي تبقى من الثروة إذا لم تكن قادرة على حمايتك من الخيانة؟ ما جدوى المال إذا لم يُثمر في حياة أكثر دفئًا وأمانًا وطمأنينة في أيام الشيخوخة؟
صورة مجتمع فى مرآة الجريمة
بالطبع ليست هذه الحكاية مجرد قصة سرقة كبيرة، ولا مجرد كشف لحجم أموال لم يتخيلها أحد مخبأة داخل شقة، ولكنها مرآة تعكس خللًا أكبر، خللًا في فهمنا لمعنى الأمان، وفي علاقتنا بالمال، وفي هشاشة الروابط الإنسانية، حين يتفوق الطمع على الوفاء.
وربما أهم ما ينبغي أن نتأمله في هذه القصة هو أنها تضعنا جميعًا – كل من شاهد الخبر أو قرأ التفاصيل – أمام أسئلة وجودية لا إجابات جاهزة لها: هل نربي أبناءنا على الجشع أم على الرضا؟ ، هل نربط قيمة الإنسان بما يملك، أم بما يعطي؟ وهل نملك نحن كدولة ومجتمع بيئة تشجع على الأمان والثقة، أم أننا ندفع الناس دفعًا إلى تحصين أنفسهم خلف جدران المال والمجوهرات والخوف؟!.
تبقى الثروة، في النهاية، شيئًا هشًا إذا لم تكن مقرونة بعلاقات إنسانية حقيقية، وراحة داخلية، وطمأنينة في الروح، ويبقى المال، مهما عَظُم، مجرد ورق لا يُغني عن دفء الأمان ولا يُعوّض عن خيانة الثقة.
ملحوظة أخيرة:
لم أكد انتهى من كتابة هذا المقال حتى صدمنى خبر أخر منشور اليوم (يوم كتابة هذا المقال) يتعلق بالموضوع، وعنوان الخبر: “العثور على حفيد نوال الدجوي مقتولًا في شقته”، والمقتول أحد أطراف القضية، وأحد المتهمين بسرقة جدته، والاستنتاجات الأولى للأمن تشير إلى أن موته نتيجة حادث انتحار، والأيام القادمة بالتأكيد سوف تكشف المزيد عن هذه الجريمة، لكن كل ما سبق يعيدنا إلى جريمة السرقة الأولى، وتداعياتها.. كما يؤكد ما ذهبنا إليه فى المقال ويمكنك إعادة قراءته للتأكد من هذا.