عاطف عبد الغنى يكتب: هل حقا تغيّر ترامب؟

بيان

عادت من جديد تلك الأصوات المتفائلة التي تروّج لفكرة أن دونالد ترامب، زعيم الحزب الجمهوري ، الرئيس الحالى للولايات المتحدة الأمريكية، قد غيّر من موقفه إزاء إسرائيل.

يقولون: “ها هو ينتقد نتنياهو”، و”يشتكي من معاملة يهود أمريكا له”، و”يبدو أقل حماسًا هذه المرة للتورط في حروب إسرائيل”.

لكن كل ذلك وهمٌ خادع لا يصمد أمام أبسط نظرة فاحصة إلى سلوك ترامب وسياساته.

نرامب منذ حملته الأولى، فى انتخابات الولاية الأولى، لم يكن حليفًا لإسرائيل فقط، بل كان أكثر الرؤساء الأمريكيين تطرفًا في ترجمة الدعم السياسي والعقائدي للصهيونية إلى قرارات ميدانية غير مسبوقة.

والذين يعتقدون أنه تغير.. هل نسي هؤلاء أنه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس متحديًا الإجماع الدولي؟
هل تناسوا أنه قطع التمويل عن الفلسطينيين ووكالة الأونروا، وأغلق القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية؟
أليس هو من منح تل أبيب ضوءًا أخضر للتمدد في الجولان المحتل؟
أليس من وضع خطة “صفقة القرن” التي صيغت كما لو كانت كتبها أحد مستوطني “أريئيل”؟

صحيح أن ترامب انتقد بنيامين نتنياهو بعد أن سارع بتهنئة جو بايدن بالفوز في 2020، لكن مشكلته مع نتنياهو شخصية لا سياسية، تتعلق بـ”الخيانة الشخصية” وليس بممارسات إسرائيل الاستيطانية أو العدوان على غزة أو اغتيال الفلسطينيين بدم بارد. ترامب لا يهاجم إسرائيل كدولة احتلال، بل يعاتب حلفاءه على عدم رد الجميل له.

الأخطر أن ترامب، في لحظة من المراوغة الخطابية، قال ذات مرة إن اليهود الأمريكيين “غير أوفياء إذا لم يصوتوا له”، وأعرب عن استيائه من أن بعض يهود أمريكا أكثر ولاءً للديمقراطيين من إسرائيل.
فهل هذا انتقاد لإسرائيل؟
لا، بل هو امتداد لموقف ترامب القديم الذى يرى فيه إسرائيل “مشروعًا مقدسًا”، ومن يتخلف عن دعمه، ولو من داخل المجتمع اليهودي، فهو “خائن”.

وفي الانتخابات الأخيرة، راهن ترامب على شريحة واضحة من اليهود الأمريكيين: التيار الأرثوذكسي والمحافظون الدينيون، أولئك الذين يضعون أمن إسرائيل فوق كل اعتبار، ويتبنون الرواية التوراتية التوسعية حول “أرض الميعاد”.

وقد يكون بعض اليهود الليبراليين قد سحبوا دعمهم له، لكنهم لم يفعلوا هذا بسبب موقفه من الاحتلال، بل لأسباب تتعلق بسياسته الداخلية وميله لليمين المسيحي، أما في الميدان، فلا زال ترامب أكثر رؤساء أمريكا تطابقًا مع أجندة اليمين الصهيوني في إسرائيل.

البعض يقول إن ترامب لا يريد حروبًا جديدة في الشرق الأوسط، وهذا صحيح من زاوية تكتيكية.. ترامب يفضل “السلام بالضغط المالي”، لكنه في الوقت ذاته أعطى إسرائيل مطلق الحرية في ضرب سوريا ولبنان وغزة، وأطلق يدها في التطبيع مع العرب، وهدد إيران بأقسى العقوبات، بل واغتال قائدها العسكري الأبرز قاسم سليماني، وعشرات غيره من قادة إيران وعناصر المقاومة فى غزة ولبنان وسوريا، واليمن، فهل هذا انسحاب من المنطقة؟ أم إعادة ترتيبها لمصلحة إسرائيل؟

ترامب لم يتغير، ولم يستفق ضميره، ولم يكتشف فجأة أن إسرائيل دولة احتلال عنصري، هو فقط يواصل اللعب السياسي بأسلوبه النرجسي المعتاد: من لا يمدحه يعاديه، حتى لو كان نتنياهو نفسه.

أما مواقفه الحقيقية من جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهي لم تتغير، ولن تتغير. لأنه ببساطة، لم يكن يومًا حياديًا أو عقلانيًا في هذا الملف.

ترامب، كما كان دائمًا، جزء من منظومة الهيمنة التي تعتبر إسرائيل ذراعًا متقدمة لأمريكا في المنطقة، وكيانًا مقدسًا في نظر حلفائه من الإنجيليين البيض.

فلا يخدعكم المظهر.. فما دام الاحتلال قائمًا، فإن ترامب سيظل في خدمته، حتى لو بدا غاضبًا من بعض جنرالاته أو ساسته.

اقرأ أيضا:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى