بدعم أميركي: سوريا تعيد دمج 3500 مقاتل أجنبي في الجيش العربي السوري

كتب: أشرف التهامي
واشنطن تغير سياستها بهدوء، وتؤيد الاحتواء على المواجهة في سوريا ما بعد الأسد، فبدأت الحكومة الانتقالية السورية، برئاسة أحمد الشرع، بدمج ما يقرب من 3500 مقاتل أجنبي سابق – معظمهم من الأويغور – في الجيش العربي السوري، بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة.
يُدمج المقاتلون في وحدة مُنشأة حديثًا، وهي الفرقة 84، والتي ستعمل تحت القيادة العامة للجيش العربي السوري المستحدث ،ويقول مسؤولون سوريون إن هذه المبادرة جزء من خطة “إعادة هيكلة وطنية” أوسع نطاقًا عقب انهيار نظام بشار الأسد أواخر عام 2024.

قوات الأمن السورية
قوات الأمن السورية.

“الاحتواء التشاركي” بدلاً من المواجهة المباشرة

تُمثل هذه الخطوة تحولاً واضحاً عن السياسة الأمريكية السابقة، التي طالما عارضت دمج المقاتلين الأجانب في مؤسسات الدولة السورية. وصرح مسؤول أمريكي بأن هذا التغيير يعكس استراتيجية جديدة تتمثل في “الاحتواء التشاركي” بدلاً من المواجهة المباشرة. وأضاف:
“نعرف هوية هؤلاء الأشخاص، ونعرف قدراتهم إذا تُركوا دون رقابة”. وتابع: “من الأفضل لهم أن يكونوا داخل مؤسسة خاضعة للمراقبة بدلاً من أن يتجولوا بحرية بحثاً عن جبهة جديدة”.
أفادت التقارير بتفكك الحزب الإسلامي التركستاني وانضمامه إلى الجيش السوري تحت رعاية وزارة الدفاع. كما تفككت هيئة تحرير الشام، ما أتاح للعديد من مقاتليها فرصة الانضمام إلى التشكيل الجديد. وتُعطى الأفضلية لمن قاتلوا ضد تنظيم الدولة الإسلامية أو ساهموا في المعارك الأخيرة ضد الأسد.
يجب على المرشحين إكمال عملية تدقيق وإعادة تأهيل رسمية، والتخلي عن جميع الانتماءات التنظيمية السابقة، والموافقة على الامتثال الكامل للقانون العسكري السوري، يُعتبر الأفراد الذين يُظهرون ولاءهم للحكومة الانتقالية فقط مؤهلين، وتشمل المتطلبات الإضافية التخرج من الأكاديمية العسكرية السورية، وهو أمر إلزامي للترقية ومنح الرتب الرسمية.
في المقابل، عرضت الحكومة الجنسية السورية على المقاتلين وعائلاتهم، “تقديرًا لدورهم في التحرير”، وفقًا لمتحدث باسم الحكومة، في إطار ما يُسمى ببرنامج الدمج الوطني.
“الفرقة 84 ليست مجرد وحدة عسكرية أخرى”، وفقًا لمتحدث باسم وزارة الدفاع السورية. “إنها خطوة نحو المصالحة الوطنية الشاملة، تهدف إلى توحيد القوات المسلحة غير الحكومية في إطار الدولة”.

“الفرقة 84”

لا يزال هيكل الفرقة ومناطق انتشارها وتسليحها غير واضح، مما يثير مخاوف بشأن مهمتها ونواياها على المدى الطويل. وتشير التقارير إلى أن المقاتلين الأجانب يشكلون نحو 30% من أفراد الجيش الجديد، وهو التطور الذي قد يؤثر بشكل كبير على المشهد العسكري السوري وربما موقعه الإقليمي.
رغم أن الولايات المتحدة لم تُقرّ المبادرة رسميًا، إلا أن مسؤوليها لم يعترضوا، مما يُشير إلى مستوى من الدعم الضمني. وأكدت مصادر دبلوماسية وجود تنسيق غير مباشر بين واشنطن ودمشق. وتشمل هذه القنوات لقاءً سابقًا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والشرع في الرياض، وتعيين توماس باراك مبعوثًا خاصًا إلى سوريا.

صفقة مؤقتة

تباينت ردود الفعل على المبادرة. يرى بعض المحللين أن هذا الدمج قد يُسهم في استقرار البلاد ومنع تجدد التمردات في المستقبل من خلال استقطاب المقاتلين السابقين إلى مؤسسات الدولة.
يبدو أن هذه صفقة مؤقتة، إذ تتنازل واشنطن عن مبدأها بعدم التعاون مع المقاتلين الأجانب مقابل تعاون استخباراتي وثيق مع الحكومة السورية في ملفات أخرى، كما يقول جاد زريق، الخبير الأمني ​​الدولي المقيم في باريس.
حذّرت لمى الحمصي، خبيرة سياسات إعادة الإدماج المقيمة في بيروت، من مخاطر محتملة على المدى الطويل. وقالت:
“إذا فشلت عملية الإدماج هذه، فسنعيد إنتاج الإرهاب تحت راية رسمية”. وشددت الحمصي على أن أي جهد من هذا القبيل يجب أن يكون مصحوبًا بإعادة تأهيل نفسي وديني ومجتمعي، وليس مجرد تدريب عسكري.
أثار منتقدون، بمن فيهم أعضاء في المعارضة السورية، مخاوف من أن يكون البرنامج بمثابة باب خلفي لإعادة تسليح المتطرفين السابقين، ويحذر البعض من أنه في غياب رقابة دولية، قد يؤدي البرنامج إلى منح مناصب عسكرية عليا لأفراد ذوي خلفيات متطرفة، مما يزيد من تعقيد جهود الإصلاح ويضعف مسار سوريا الهش نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة.

ردود الفعل الدولية

اتسم رد الفعل الدولي بالحذر. فقد أعربت الصين عن قلقها إزاء إدراج مقاتلي الأويغور السابقين، محذرة من أن سوريا قد تصبح “ملاذًا آمنًا للعناصر المتطرفة” إذا تمت إعادة الإدماج دون ضوابط صارمة.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن هذه الخطوة تشكل تهديدًا أمنيًا للمصالح الصينية، وحثّ سوريا على نبذ جميع أشكال الإرهاب.
وظلت القوى الإقليمية الأخرى صامتة في الغالب. لم تُصدر تركيا أي تعليق رسمي، لكنها تراقب التطورات عن كثب نظرًا لمخاوفها الراسخة بشأن مقاتلي الأويغور. ولم توضح إيران وروسيا موقفيهما بعد، بينما تواصل الحكومات الغربية تقييم الوضع.

طالع المزيد:

زر الذهاب إلى الأعلى