اللواء مصطفى زكريا يكتب: عراقجي للقاهرة..بوادر تقارب أم إعادة رسم للتحالفات؟

في مشهد دبلوماسي لافت، زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي العاصمة المصرية القاهرة في يونيو 2025، في خطوة تمثل أول زيارة رسمية بهذا المستوى منذ سنوات طويلة من التوتر والجمود بين البلدين. الزيارة تحمل دلالات استراتيجية بالغة، ليس فقط على مستوى العلاقات الثنائية، بل على صعيد موازين القوى الإقليمية والدولية.

الزيارة أثارت إنتباه كافة الأطراف الدولية والإقليمية لأهميتها وهل تضع مصر وإيران نحو فتح صفحة جديدة؟

شهدت الزيارة لقاءات رفيعة المستوى، أبرزها مع الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي، تناولت سبل تطوير العلاقات الثنائية، والتنسيق في عدد من الملفات الإقليمية الملتهبة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وأمن البحر الأحمر، والملف النووي الإيراني.

وأكد الجانبان ؛ وفقاً لما صدر عن التصريحات الرسمية، وجود إرادة مشتركة لتجاوز العقبات، والانطلاق نحو علاقات أكثر مرونة وتعاونا ً، بما يخدم مصالح الشعبين ويعزز الاستقرار الإقليمي.

الزيارة تشير لدلالات إقليمية أبعد من ثنائية القاهرة وطهران

اللافت أن هذه الزيارة تأتي في لحظة إقليمية فارقة، حيث يزداد التوتر في قطاع غزة، ويستمر الجمود السياسي في ملفات سوريا واليمن ولبنان. ومصر – التي تحتفظ بعلاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية – تبدو مؤهلة للقيام بدور الوسيط بين إيران والعالم العربي، وربما حتى بينها وبين الغرب.

لكن الأهم، هو ما تحمله هذه الزيارة من رسائل غير مباشرة لأطراف إقليمية ودولية فاعلة، وعلي صعيد وقع الزيارة على الولايات المتحدة ودول الخليج فبالتأكيد هناك إشارات توتر وحذر

بالنسبة للولايات المتحدة، حيث تُعد زيارة عراقجي للقاهرة تطورًا غير مريح. واشنطن التي ما زالت تسعى إلى احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، تنظر بعين الريبة إلى أي تقارب مصري–إيراني، خصوصا ً إذا ما اقترن بتنسيق في قضايا حساسة مثل الملف النووي وأمن البحر الأحمر. هذا القلق الأمريكي قد يدفع واشنطن إلى تعزيز تحالفاتها التقليدية، أو حتى إعادة تقييم بعض أوراقها في المنطقة.

أما بالنسبة لدول الخليج – وعلى رأسها السعودية – فإن وقع الزيارة يتراوح بين الترقب والقلق المشروع، فعلى الرغم من بوادر التهدئة بين الرياض وطهران في العامين الأخيرين، إلا أن دخول مصر – بثقلها السياسي والعسكري – على خط التقارب مع إيران، قد يعيد خلط الأوراق.

بلا شك أن الخليج، الذي طالما اعتمد على مصر كحليف إقليمي ضمن محور “الاعتدال العربي”، ينظر بعناية إلى هذا التحرك، والسؤال الذي يُطرح بقوة في العواصم الخليجية: هل هو تقارب دبلوماسي ظرفي ؟ أم بداية لإعادة رسم خريطة التحالفات؟

من ناحية أخرى، قد تستغل السعودية هذه الزيارة كفرصة لإعادة تنشيط الحوار مع طهران من موقع أقوى، خاصة إذا رأت أن القاهرة تسعى للعب دور الجسر بين الطرفين. وهو ما قد يحوّل هذا التقارب من خطر محتمل إلى فرصة استراتيجية.
من وجهة النظر المصرية تعتمد مصر علي سياسة الأبواب المفتوحة ولكن بشروط

من غير المتوقع أن تنحاز مصر بالكامل إلى إيران، أو أن تضع نفسها في مواجهة مع الولايات المتحدة أو دول الخليج. لكنها في المقابل، تُدرك جيدًا أهمية تنويع علاقاتها، وتحرص على الاحتفاظ بدورها كدولة مركزية لها الحق في التواصل مع الجميع، وطرح مبادرات عقلانية لتقريب وجهات النظر، لا لتأجيج الخلافات.

إن ما يميز الدبلوماسية المصرية في هذه المرحلة هو المرونة المبدئية والحذر الاستراتيجي. فمصر التي تسعى لحماية أمنها القومي من جهة الشرق والجنوب، ولعب دور محوري في القضية الفلسطينية، تجد في إيران طرفًا لا يمكن تجاهله – وإن لم يكن بالضرورة حليفا ً  مضمونا ً .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى