المخاوف الإسرائيلية من يد تركيا الممتدة من وكلاء باكستان إلى حدود إسرائيل

كتب: أشرف التهامي
تعتبر تركيا لاعبًا رئيسيًا في النزاعات الإقليمية، وله دور خفي في العديد من الصراعات بسبب سياساتها الخارجية النشطة. تشمل هذه المشاركة الدعم السري والمباشر للجهات الفاعلة المختلفة، والتدخلات العسكرية المباشرة، بالإضافة إلى الدبلوماسية السرية التي تهدف إلى تحقيق أهدافها الإستراتيجية.
دور تركيا في النزاع الهندي الباكستاني
هجوم باهالغام في كشمير يكشف عن تحالف مُقلق بين تركيا وباكستان والمتطرفين الإسلاميين؛ بدعم أنقرة لإسلام آباد، حيث أن أنقرة تُخاطر بتحويل المنطقة المتنازع عليها إلى مركز للجهاد العالمي، مما يُهدد المنطقة بأكملها والاستقرار الإقليمي.
كشف الهجوم الإرهابي الأخير في باهالغام بكشمير، والذي أودى بحياة 26 مدنيًا بريئًا، مجددًا عن وجود صلة خطيرة ومتطورة تربط تركيا وباكستان والشبكات الإسلامية المتطرفة.
هذا الهجوم، الذي نفذته جبهة المقاومة (TRF)، المعروفة على نطاق واسع بأنها واجهة لجماعة لشكر طيبة (LeT) المتمركزة في باكستان، لا يعكس فقط استمرار تهديد الإرهاب في جنوب آسيا، بل يُبرز أيضًا دور تركيا الناشئ كعامل تمكين صامت في هذه المعادلة المتقلبة.
في حين أن الصراع في كشمير ظل لفترة طويلة تحت هيمنة التنافسات الهندية الباكستانية، فإن التدخل التركي المتزايد يقدم بعدا جديدا ومقلقا يهدد ليس فقط الأمن الإقليمي بل وأيضا الأمن العالمي.
في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، تحولت تركيا من حليفٍ متوقع في حلف الناتو إلى لاعبٍ فاعلٍ يسعى لتحقيق طموحاته الأيديولوجية والاستراتيجية.
ويتسم هذا التحول بتنامي التعاون العسكري والدبلوماسي مع باكستان، والذي تم إضفاء طابعٍ رسمي عليه من خلال اتفاقيات، وعززته صادراتٌ دفاعيةٌ ضخمة.
تركيا ثاني أكبر مورد للأسلحة لباكستان
برزت تركيا كثاني أكبر مورد للأسلحة لباكستان، حيث تزودها بتقنيات عسكرية متطورة، بما في ذلك طائرات مسيرةوأنظمة بحرية، ومعدات أخرى، حتى مع استمرار باكستان في إيواء جماعات ترعى الإرهاب العابر للحدود.
هذا التعاون ليس مجرد مبادلات تجارية؛ بل هو مدفوع بتوجهات أيديولوجية مشتركة وتقارب مصالح يتحدى هياكل القوة الإقليمية الراسخة.
كان دعم تركيا لموقف باكستان من كشمير استفزازيًا بشكل خاص. وقد شجعت تصريحات أردوغان العلنية، التي تُحاكي الرواية الباكستانية، تعنت إسلام آباد بشأن قضية كشمير وقوضت جهود الحل السلمي.
وما يثير القلق أكثر هو الروابط بين الهياكل العسكرية وشبه العسكرية في أنقرة، مثل منظمة “سادات” المثيرة للجدل، والدعم المزعوم لشبكات المتشددين العاملة في جنوب آسيا والشرق الأوسط.
في حين أن الأدلة لا تزال ظرفية، فإن التقارير عن تورط منظمة “سادات” في تدريب أو تسهيل وصول المقاتلين الأجانب في مناطق الصراع، بما في ذلك كشمير وغزة وليبيا، تشير إلى استراتيجية متعمدة لاستخدام الوكلاء لتحقيق أهداف أنقرة الجيوسياسية.
تطمس هذه الإجراءات الخطوط الفاصلة بين فن إدارة الدولة والحرب الأيديولوجية، مما يخلق سابقة خطيرة للصراعات الإقليمية الأخرى.
من التعاون العسكري إلى التضامن الأيديولوجي
يتجاوز هذا التحالف التركي الباكستاني المتطور التعاون العسكري إلى التضامن الأيديولوجي، حيث تُقدم أنقرة نفسها كمدافع عن القضايا الإسلامية في جميع أنحاء العالم.
وقد عزز خطاب أردوغان والموقف الدبلوماسي التركي في محافل مثل الأمم المتحدة هذه الرواية. ومع ذلك، فبدلاً من تعزيز الاستقرار أو العدالة، شجع هذا التوجه الفصائل المتطرفة وعقّد جهود السلام. وهو يُخاطر بتحويل كشمير من نزاع ثنائي إلى ساحة معركة متأثرة بالروايات الجهادية العابرة للحدود، مما يزيد من زعزعة استقرار منطقة هشة أصلاً.
الرد الهندي على هذا الترابط المتنامي.
ردّت الهند على هذا الترابط المتنامي بمزيج من الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية، بما في ذلك تعليق التعاملات مع تركيا، وتقييد التجارة الثنائية، واستكشاف شراكات استراتيجية جديدة.
كما أن هناك تحول ملموس في حسابات نيودلهي، إذ تُدرك أن مواجهة التهديد الذي تُشكّله الجبهة الثورية التركية والجماعات المماثلة لا تتطلب معالجة دور باكستان فحسب، بل أيضًا الجهات المُمكّنة مثل تركيا.
وينعكس هذا التغيير في حسابات قوى إقليمية أخرى ترى في سياسة أنقرة الخارجية الحازمة والأيديولوجية قوةً مُزعزعة للاستقرار تمتد من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى جنوب آسيا.
هوية تركيا المزدوجة
تُشكّل هوية تركيا المزدوجة، كعضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وراعية للشبكات المتطرفة، معضلةً فريدة، إذ تُعقّد سياسات التحالف وتُوتر العلاقات مع الشركاء الملتزمين بمكافحة الإرهاب.
ويُهدّد تضافر المساعدات العسكرية والخطاب الأيديولوجي والدعم السري للشبكات المرتبطة بالإرهاب بتشجيع ليس فقط وكلاء باكستان، بل أيضًا الحركات المتطرفة الأخرى التي تسعى إلى الحصول على المصداقية والدعم المادي.
من الهيمنة إلى المخاوف
إن احتمال أن تُعزز التكنولوجيا العسكرية التركية ودعمها السري قدرات باكستان على دعم جماعات بالوكالة مثل TRF يثير مخاوف أمنية كبيرة في جنوب آسيا وخارجها.
الأهم من ذلك، أن هذا الارتباط الخطير لا يقتصر تهديده على جنوب آسيا وحدها، إن علاقات تركيا المتنامية مع باكستان واستعدادها الواضح لتمكين الجماعات الإسلامية تحمل مخاطر عميقة على إسرائيل وحلفائها الإقليميين.
فيرى المراقبون والخبراء الإسرائيليون أن دعم أردوغان العلني لحماس، وروابط حكومته بجماعة الإخوان المسلمين، وموقف أنقرة العدائي المتزايد تجاه إسرائيل، كلها أمور مثيرة للقلق العميق.
ومن خلال تعزيز الشبكات المرتبطة بالجماعات المتطرفة المتمركزة في باكستان بشكل غير مباشر، تساهم تركيا في زعزعة استقرار إقليمية أوسع نطاقًا تهدد بتشجيع الجهات الفاعلة المناهضة لإسرائيل وتغيير ميزان القوى بطرق قد تؤدي إلى إشعال صراع أوسع.
هذا وتتخوف إسرائيل من إمكانية أن تجد الأسلحة والتدريب والدعم الأيديولوجي المتدفق من تركيا إلى باكستان طريقه بسهولة إلى مسارح أخرى، من كشمير إلى غزة، حيث تستهدف الجماعات الإرهابية المدنيين والبنية التحتية الإسرائيلية.
إسرائيل، التي تُصارع بالفعل تهديدات حزب الله وحماس وغيرهما من الوكلاء المدعومين من إيران بحسب المزاعم الإسرائيلية تواجه الآن تعقيدًا إضافيًا يتمثل في عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) يُساعد ويُساند بشكل غير مباشر شبكات معادية لأمن إسرائيل.
كما ترى إسرائيل أن التقارب التركي الباكستاني لا يُقوّض جهود مكافحة الإرهاب فحسب، بل يُشجع أيضًا العناصر المتطرفة التي تدعو علنًا إلى تدمير إسرائيل ومهاجمة المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
كما يرى المراقبون الإسرائيليون إن احتمالية نشوء محور أقوى ذي دوافع أيديولوجية، يمتد من باكستان عبر تركيا إلى بلاد الشام، ينبغي أن تُدقّ ناقوس الخطر في العواصم من القدس إلى واشنطن.
طالع المزيد: