اللواء مصطفى زكريا يكتب: عسقلان المدينة العروس التي بشّر بها النبي ﷺ

على الساحل الجنوبي لفلسطين، وتحديدًا شمال قطاع غزة، ترقد مدينة عسقلان كدرّة من درر التاريخ، شهدت غزوات الفراعنة، وارتطمت أمواجها بسنابك خيول الصليبيين، واحتضنت شهداء المسلمين، حتى غزاها الاحتلال الصهيوني وهجّر أهلها عام 1948، ولكن رغم النكبة، ما زال اسم عسقلان حيًا في القلوب، محفورًا في ذاكرة التاريخ، بل وفي بعض الأحاديث النبوية التي أثارت انتباه العلماء والمحدثين على مر العصور.
عسقلان في الحديث النبوي :ورد عن النبي ﷺ في حديث يرويه الحاكم في “المستدرك” قوله: ”عسقلان أحد العروسين، يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفًا لا حساب عليهم، ويبعث منها أربعون ألف شهيد، وأول من يُدخل الجنة من أمتي من عسقلان، ورغم أن السند فيه ضعف، فقد تناقله المؤرخون ضمن أحاديث الفضائل التي تعبّر عن مكانة بعض المدن في الوعي الإسلامي، لا سيما مدن الثغور والجهاد.
لماذا سُميت بـ”أحد العروسين” ؟العروس في لسان العرب تعني المدينة المزينة المبهجة، وسُميت عسقلان “أحد العروسين” لما عُرف عنها من جمال الموقع، ووفرة الزرع، وبحرها الممتد الذي كان خط الدفاع الأول عن الشام وفلسطين.
واختلف الرواة في العروس الثانية، فقيل: بيت المقدس، وقيل: القسطنطينية، لكن الجميع اتفق على أن عسقلان كانت أيقونة رباط وجهاد، وملتقى العُبّاد والمجاهدين، لا سيما في عصر الفاطميين والأيوبيين.
المدينة المنسية في قلب النكبة حين وقعت النكبة عام 1948، كانت عسقلان من المدن التي صمدت حتى اللحظة الأخيرة، قبل أن تتعرض للاجتياح الصهيوني، ويُهجّر سكانها قسرًا، وتُهدم بيوتهم ومساجدهم، وتُقام على أنقاضها مستوطنات جديدة، أبرزها مستوطنة “أشكلون” الحالية.
ورغم المحو الممنهج لمعالمها، لا يزال الوجدان الفلسطيني والعربي يحتفظ بها كـ”مدينة عروس” لم تنكسر. ويكفي أنها المدينة التي تنبّأ لها الحديث النبوي بأهل لا يُحاسَبون، وشهداء يُبعثون، وساكنٍ يُبشّر بالجنة.
عسقلان ذاكرة الجهاد والعقيدة، وفي عسقلان، كان الرباط في سبيل الله شرفًا، وكانت مواجهة البحر لا تقل عن مواجهة العدو، إنها ليست مجرد مدينة فلسطينية، بل رمزٌ لفلسطين كلها، ولعل هذا ما يجعلها حاضرة دائمًا في وجدان الذاكرة الإسلامية، حتى لو أُعيد رسم خرائط الاحتلال فوق أرضها.
ختاما ..عسقلان ليست مجرد أثر في كتب التاريخ، ولا حديثًا يُراجَع في كتب السنن، و إنها شاهد على الصبر، والرباط، واليقين. وإن ضاعت اليوم تحت حراب الاحتلال، فإنها ستعود كما وعد الله أرض فلسطين كلها… إلى أهلها.
عسقلان… المدينة العروس التي بشّر بها النبي ﷺ.