ميخائيل عوض يكتب: ترمب ورطَّه فهل يخرجه من محنته؟!

بيان

(1)

أخيراً ارتكب نتنياهو الحماقة والمغامرة، وربما أقنع ترمب بفرصته وبقدرته. بعد أن هيكل قيادة الجيش وأجهزة الأمن على مزاجه ومشروعه.
فاجأ إيران وضربها بالعصب؛ مقرات القيادة /قادة الأسلحة/ خبراء النووي/ الرادارات والمفاعلات النووية/ المطارات والمجمعات العسكرية. وفي الجولات؛ الطاقة/ منشآت مدنية/ حقول النفط والغاز.
يخوضها حربَ يقوم القيامة وآخر حروبه.
حقق مفاجأةً وتدميراً واسعاً، وقطع رأس المنظومة العسكرية والنووية.

(2)

لا شك يستطيع واستطاع، والأمر عادي جداً فتحت سيطرته كل أجهزة الأمن العالمية والعربية والدول المجاورة، والأقمار الصناعية والتجسس الالكتروني والسيبراني والذكاء الصناعي، وله اختراقات عميقة في البنية الإيرانية.
أما إيران فليس لها هذه اليد الطولى، وحلفائها “مفترضين” فروسيا مستنزفة ومنشغلة، والصين بليدة ومنغلقة، وكوريا جاهزة وتوزع إسنادها بين روسيا وإيران، أما باكستان فموقفها كان مفاجئاً ونوعياً بإعلانها إسنادها إيران. وعرب الخليج والنظام الرسمي داعمون لإسرائيل أو صامتون يؤيدونها في الخفاء، ويتحفزون لدور وسيط بطبيعته لتمرير المصلحة الإسرائيلية غير مؤتَمَنين.

(3)

إيران في حرب الطوفان خسرت وربما فرطت بحلفاء وازنين، والأهم بالجغرافية التي كانت تعطيها الأفضلية واليد العليا خاصةً لبنان وسورية وإلى حد كبير العراق وفلسطين. فكانت تحاصر إسرائيل وتعبث بأمنها، وللجغرافية أفضلية باستخدام المسيرات والصواريخ. وبخسارتها أصبحت أفضلية الجغرافية لإسرائيل، فسورية والعراق وتركيا والخليج وأذربيجان لصالح إسرائيل، ومنها تنطلق الصواريخ والمسيرات والطائرات.

(4)

ثلاثة أيام من عصف الحرب بدأت ترسم طيف المستقبل وتجيب على سؤال “لمن النصر فيها؟”
أخفقت الضربة الأولى، وبالعرف العسكري وباستراتيجيات إسرائيل وأمريكا ونهجها الحربي هي الكاسرة!
أصيبت إيران بخسائر هائلة، إلا أنها احتوت الهجوم. والمفاعلات والبرنامج النووي نجا ولم يتأثر، وخسارة عشرات الخبراء تستطيع إيران تعويضهم، فلديها عشرات الآلاف وميزتها أن سنَّ خبرائها النوويون دون الـ٢٩ سنة.
والأمر ذاته بما خص القادة العسكريين، فلديها مئات آلاف الضباط، وفي تجارب الحروب تحتسب خسارة الصفوف الأولى مسبقاً.
أما في السلاح والمطارات والدفاع الجوي والمعسكرات فالجاري أمر عادي جداً، فدولة كإيران قادرة على التعويض بل والتصنيع واستعادة قوتها في الدفاع الجوي بسرعة لقدراتها وجغرافيتها الواسعة وعدد السكان، ولاتصالها وقربها الجغرافي من روسيا والصين، والأهم باكستان والموقف الباكستاني.
احتوت الموجه الأولى وكشفت عن صلابة وانخرطت بالمواجهة، وتمطر إسرائيل بالصواريخ والمسيرات وتصيب وتخلق حالة ذعر فيها، وفي رأسها نتنياهو وحكومتها وقادتها والآتي أعظم بكثير. وذلك بسبب الجغرافية وعدد السكان، وعدم امتلاك إسرائيل لحدود برية مع حلفاء قادرين على الإمداد الفوري والمستدام.

(5)

ارتسمت ملامح الحرب وتحددت قدرات كل طرف، وتالياً نتائجها بوضوح لمن لديه بعد نظر.
ماذا سيفعل نتنياهو ومن سيخرجه من محنته فقد تمثل بـ”واوي وبلع المنجل”؟
المؤشرات نلتقطها من تغير لهجة وتصريحات ترمب، واتصاله ببوتين، والطلب من السعودية وأخواتها وتطوعها للوساطة وعروض العودة للتفاوض النووي.
وتصريحات المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين التي تؤكد طلب نتنياهو من ترمب التدخل والإسناد الناري والعسكري، بينما ترمب مازال يهدد ويكرر -إذا تعرضت قواعدنا ومصالحنا للخطر ؟؟- و فيها إشارة إلى أنَّ إسرائيل لم تعد قاعدة ومصلحة وأصل في الأمن القومي الأمريكي كما كانت في السابق وعند بادين ولوبي العولمة؟؟
قال ترمب أن السلاح أمريكي ولدى إسرائيل الكثير منه وفي الطريق الأكثر، لكنه لم يقل “أنا صهيوني وسأقاتل عن إسرائيل” كما فعل بايدن في القدس بعد الطوفان مباشرة؟
الاتحاد الأوروبي عاجز ومنشغل في أوكرانيا، فقد ورطه ترمب وسحب يده بعد حصاده الوافر وأطلق يد بوتين.
العرب والنُّظم ترتعد فرائصها خوفاً، وقد أصدرت بيانات إدانه.

(6)

السعي للوساطة والإعلان بالاستعداد لوقف النار هذه حرفة إسرائيلية- أمريكية معتادة، فقد فعلوها مع كل من استهدفوه، وسعيهم لمنع الرد والخروج بمكاسب وانتصارات، وعودة الرهان على الحصار والأعمال الأمنية والتخريب وتأليب الرأي العام .
تذكروا تجربة إسقاط وتفتيت يوغسلافيا والعراق وسورية وحتى لبنان والأخريات، بمقابل رفض الحوثيين وانخراطهم بالحرب هجومياً وينتصرون وهزموا ويهزمون أمريكا وإسرائيل وعالمهم الانجلو سكسوني. فهل تفوت التجربة على إيران؟؟
من غير المنطقي ! وإن فاتتها فعليها وعلى تجربتها ونظامها السلام!!؟

(7)

ماذا يستطيع ترمب لإخراج المنجل من أحشاء نتنياهو؟
بَذل الجهود والضغوط للتوسط؟
وإذا لم تنجح، ويجب ألا تقبل إيران وقفاً للنار تحت أي ثمن أو ضغط أو إغراء.
لا مصلحة له بالقتال مع نتنياهو وتحت إمرته ولصالحه، ولو كان قادراً على تدمير إيران فجيشه وبحريته وصواريخه وعزيمته اختُبرت باليمن و”بارت وهُزمت” وأقرَّ بالهزيمة؟
أما استهداف إيران وما تبقى من أذرعها لسحق القواعد والمصالح الأمريكية فموفورة وتحت اليد، وأيسرمن قصف إسرائيل وأقرب.
والنفط والغاز الذي يتحرش بها نتنياهو لترهيب العالم فهي مشنقة ترمب ووسيلة هزيمته وانكسار مشروعه في أمريكا. وكل ذلك بيد الإيرانيين كإقفال الممرات ورفع أسعار المشتقات فتصب زيتاً على نار أمريكا الملتهبة في خمس ولايات وتزداد، ويصبح مستقبل الأطلسي والاتحاد الأوروبي في خبر كان.
ليس أمام ترمب إلا أن يدير ظهره لنتنياهو، فقد ورطه وأحرجه وكشف حقيقة أوهامه وقوته وقوة إسرائيل، وباتت وبات نتنياهو عبئاً عليه وعلى أمريكا.
فعلها ترمب مع البنتاغون ولوبي صناعة الحروب ورطهم باليمن وكسر أعناقهم في واشنطن.
هل سيفعلها؟؟ هو الآن يفعلها بمجرد أنه يرفض دخول الحرب ويتركه ليعاني في أحشائه.
هل خسر ترمب شيء؟
أبداً فقد كسب كثيرا؛ يؤمن التريليونات الخليجية ويتخلص من نتنياهو ويتحرر من أعباء إسرائيل، وبنفس الوقت استخدمها لتدمير ما استطاعت في ايران وجرب القوة لإخضاعها ويبني على النتائج.
هكذا هم تجار الصفقات يقاتلون بالآخرين وعند هزيمتهم يستثمرون بهزائمهم وبالنتائج.

اقرأ أيضا للكاتب:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى