اللواء سمير فرج يكشف أبعاد المواجهة الإيرانية الإسرائيلية وتوازنات القوى في المنطقة

كتب: على طه

في ظل التصعيد غير المسبوق بين إسرائيل وإيران، قدّم اللواء الدكتور سمير فرج، القائد الأسبق بالقوات المسلحة المصرية والخبير العسكري والاستراتيجي، رؤية تحليلية شاملة حول خلفيات وتداعيات المواجهة الجارية بين الطرفين، والتي تدخل يومها الثالث وسط ترقب دولي واسع.

أهداف متباينة للطرفين

استهل اللواء سمير فرج تحليله بالتأكيد على أن أي عملية عسكرية، وفق العقيدتين الشرقية والغربية التي درسها في إنجلترا ومصر، تقوم على تحديد أهداف واضحة قبل انطلاقها. وبيّن أن إسرائيل دخلت المواجهة بهدف رئيسي يتمثل في القضاء على القدرات النووية الإيرانية، وهو ما يتطلب تدمير كامل للبنية التحتية النووية المنتشرة داخل إيران، خاصة أن الأخيرة نقلت أجزاء كبيرة من منشآتها النووية إلى مناطق جبلية معقدة جغرافياً خلال العامين الماضيين، وهو ما يصعب استهدافه بالقدرات العسكرية التقليدية الإسرائيلية، ويستلزم مشاركة أمريكية مباشرة باستخدام قنابل الأعماق القادرة على تدمير تلك المنشآت.

في المقابل، أشار إلى أن الهدف الإيراني لم يكن تدمير القوة النووية الإسرائيلية، وإنما إلحاق أكبر قدر من الأضرار بالبنية التحتية الإسرائيلية والضغط على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، بهدف التأثير على ثقة الشعب في قيادته السياسية، خاصة في ظل إدارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للأزمة.

تطور نوعي في طبيعة المواجهة

لفت اللواء فرج إلى أن التطورات الأخيرة حملت سابقة خطيرة في تاريخ الصراع، إذ نجحت إيران في إجبار ملايين الإسرائيليين لأول مرة منذ إعلان قيام الدولة العبرية عام 1948 على الاحتماء بالملاجئ لعدة أيام متواصلة في مدن تل أبيب وحيفا والقدس ويافا وبيتاح تكفا، بل اضطر نتنياهو نفسه وكبار المسؤولين الإسرائيليين إلى الانتقال إلى الملاجئ، وهو تطور بالغ الخطورة من الناحية النفسية والعسكرية، يعكس تغيراً جوهرياً في موازين الصراع.

كما أشار إلى أن وكالات الأنباء الإيرانية أكدت سقوط صواريخ إيرانية على مطار بن غوريون في تل أبيب، إلى جانب تفعيل الدفاعات الجوية الإيرانية في تبريز للتصدي لهجمات معادية إسرائيلية مضادة، وهو ما يعكس اتساع رقعة المواجهة إلى العمق الجغرافي للطرفين.

الموقف الأمريكي: تحفّظ على التدخل العسكري المباشر

أكد اللواء فرج أن واشنطن ترفض الانخراط في أي عمليات هجومية ضد إيران رغم التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل، مشيراً إلى أن مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة، وعلى رأسها البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، نصحت القيادة الأمريكية بعدم التصعيد العسكري المباشر تجنباً لانخراط القوات الأمريكية في مواجهة مفتوحة قد تؤدي إلى استهداف القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في المنطقة.

وأوضح أن معظم القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط تعتمد على عناصر إدارية ولوجستية ولا تمتلك الجاهزية الكافية لخوض عمليات قتالية مباشرة، باستثناء قاعدتين رئيسيتين هما قاعدة العديد في قطر، وقاعدة إنجرليك في تركيا والتي تضم رؤوساً نووية أمريكية.

التوقعات: وساطات دولية مرتقبة

رجّح اللواء فرج أن تشهد الساعات أو الأيام القليلة المقبلة تدخلاً دولياً من الولايات المتحدة وروسيا والدول الأوروبية لاحتواء الأزمة وفرض وقف لإطلاق النار بين الطرفين. وأشار إلى أن الرئيس الأمريكي الحالي يسعى لتسجيل إنجازات سياسية دولية تظهره كـ”رجل سلام”، وهو ما قد يدفعه لتكرار سيناريو الوساطة الذي سبق أن لجأ إليه مع الهند وباكستان في أزمات سابقة.

وشدد على أن جميع الحروب تنتهي دوماً على طاولات المفاوضات، غير أن النتائج الميدانية تفرض توازنات القوى في أي تسوية مستقبلية، مشيراً إلى أن طهران نجحت في حجز موقع تفاوضي أقوى بعدما تمكنت من زعزعة استقرار الجبهة الداخلية الإسرائيلية لأول مرة بهذا الشكل.

خسائر إسرائيل ليست فقط عسكرية

رغم نجاح إسرائيل في تنفيذ عمليات أمنية نوعية داخل إيران خلال السنوات الأخيرة، أدّت إلى اغتيال نحو 20 قائداً عسكرياً و14 عالماً نووياً إيرانياً وتخريب بعض المنشآت الاستراتيجية الإيرانية، إلا أن اللواء فرج يرى أن التأثير المباشر للعمليات الإيرانية الأخيرة على العمق الإسرائيلي يتجاوز بكثير تلك النجاحات المحدودة.

وقال فرج إن خسارة بعض القيادات والعلماء يمكن تعويضها مع الوقت، بينما إدخال ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، وهزّ صورة “الدولة الآمنة التي لا تُمس”، يمثل تطوراً عميق الأثر داخل المجتمع الإسرائيلي، سيترك تداعيات استراتيجية وسياسية في المرحلة المقبلة.

هل المواجهة مرشحة للامتداد إلى الدول العربية؟

وفي رده على احتمال امتداد المواجهة إلى الدول العربية، أكد اللواء فرج أن كل السيناريوهات تبقى مفتوحة في الحسابات العسكرية. لكنه شدد في الوقت ذاته على أن مصر مستعدة تماماً لكل الاحتمالات، مستعرضاً خطة تطوير القوات المسلحة المصرية التي بدأت منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي شملت تحديث منظومات التسليح، ورفع كفاءة التدريب، وتنفيذ العديد من المناورات المشتركة مع الدول الكبرى مثل الصين وروسيا، وهو ما يجعل الجيش المصري حالياً في مصاف أقوى جيوش المنطقة تسليحاً وجاهزية.

وأكد أن إسرائيل تدرك تماماً جاهزية وقدرات الجيش المصري، مشيراً إلى أن أي مغامرة عسكرية إسرائيلية ضد مصر ستكون محفوفة بمخاطر هائلة، لن تجازف بها تل أبيب تحت أي ظرف.

محاسبة داخلية مرتقبة في إسرائيل

توقع اللواء فرج أن تخضع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لمراجعة ومحاسبة داخلية قاسية عقب انتهاء المواجهة، مشيراً إلى أن التاريخ يعيد نفسه، كما حدث بعد هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر 1973 عندما شُكلت لجنة “أجرانات” برئاسة كبير قضاة إسرائيل وقتها. وأوضح أن لجنة مشابهة قد يتم تشكيلها هذه المرة لمحاسبة المسؤولين عن القصور الأمني والعسكري في مواجهة الصواريخ الإيرانية التي طالت العمق الإسرائيلي.


خلاصة المشهد حسب قراءة اللواء سمير فرج:

  • إيران حققت مكسباً عسكرياً ونفسياً غير مسبوق في تاريخ الصراع مع إسرائيل.

  • إسرائيل تواجه مأزقاً داخلياً بعد اهتزاز صورة الدولة الآمنة.

  • الولايات المتحدة ستحاول لعب دور الوسيط لتجنب التورط العسكري المباشر.

  • مصر جاهزة تماماً لمواجهة أي مغامرة إسرائيلية.

  • تحقيقات داخلية مرتقبة في إسرائيل بعد نهاية المواجهة على غرار لجنة أجرانات 1973.

طالع أيضا:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى