د. محمد إبراهيم بسيوني يكتب: توازن الرعب بين إيران وإسرائيل

بيان
الصراع الحالي يكشف بوضوح حجم الاستنزاف الذي تتعرض له إسرائيل، خاصة بعد أن استنفدت جزءًا كبيرًا من مخزونها الاستراتيجي من الطائرات المسيّرة والقنابل، في مواجهة مع إيران لم تكن تتوقعها بهذا الشكل المباشر والممتد.
إسرائيل تعتمد تقليديًا على التفوق الجوي والضربات السريعة، لكنها اليوم أمام خصم يمتلك قدرة صاروخية متطورة، ومنظومة مسيّرات ضخمة ومتنوعة، تمنحه قدرة ردع فعالة على المدى البعيد، وتحدّ من قدرة إسرائيل على الحسم العسكري السريع الذي اعتادت عليه في مواجهاتها السابقة.
إيران، رغم الضغوط الدولية، استطاعت خلال السنوات الماضية أن تطور ترسانتها العسكرية بشكل كبير، واستثمرت في بناء قوة ردع إقليمية ترتكز على صواريخ دقيقة وطائرات مسيرة قادرة على تجاوز الدفاعات التقليدية.
هذه المعادلة الجديدة فرضت واقعًا مختلفًا، جعل خيار الضربة النووية بالنسبة لإسرائيل أكثر تعقيدًا، نظرًا لتوازن الرعب الذي قد ينشأ، سواء برد مباشر من إيران، أو بدخول باكستان على الخط، التي تملك ترسانة نووية معتبرة وترتبط بتحالفات إقليمية وثيقة.
في ظل هذا الواقع، ومع طول أمد الحرب، تزداد احتمالات أن تتحول المعركة من مجرد مواجهة ثنائية إلى صراع إقليمي واسع. الصين وباكستان، اللتان تعتبران إيران حليفًا استراتيجيًا في مواجهة النفوذ الأمريكي والصهيوني، قد لا تقفان على الحياد طويلًا، لا سيما إذا اتسع نطاق التهديد ليشمل مصالحهما المباشرة أو طرق الإمداد الحيوية في آسيا.
التدخل العسكري المباشر، ولو جزئيًا، من قبل هاتين القوتين، سيغير موازين القوى في المنطقة، ويفتح الباب أمام إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية والدولية.
أما العراق، فقد يلعب دورًا دفاعيًا محدودًا، سواء عبر فصائل مسلحة مرتبطة بإيران، أو عبر موقف حكومي يسعى للحفاظ على التوازن بين واشنطن وطهران. ومع استمرار التصعيد، قد تجد بغداد نفسها مضطرة لاتخاذ موقف أكثر وضوحًا، خاصة إذا امتد القتال إلى أراضيها أو استهدفت منشآتها الحيوية.
المعركة ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل هي لحظة فارقة في إعادة تشكيل المنطقة، حيث تشتبك المشاريع الدولية والإقليمية، وتُختبر حدود القوة والردع، وتتقرر مصائر الشعوب والدول.
التصعيد المحتمل لم يعد مجرد احتمال نظري، بل سيناريو واقعي يتطلب قراءة دقيقة للتطورات وتقديرًا دقيقًا للمصالح والتحالفات، في عالم لم يعد فيه مكان للثابت إلا موازين القوة.