خالد سالم يكتب: نفس السيناريو.. إعادة ترتيب الخريطة الجيوسياسية

بيان
نشهد اليوم في إيران تكراراً لنفس السيناريو الذي شاهدناه يتكرر في العراق وحزب الله وغزة واليمن وسوريا وليبيا. سيناريو محكم التخطيط، واضح المعالم، يُنفذ بدقة متناهية عبر مراحل متدرجة ومحسوبة.
## الهدف الحقيقي ليس ما يُعلن
الخطأ الشائع في قراءة المشهد الحالي هو التركيز على الهدف المُعلن. فالحديث عن المشروع النووي الإيراني، أو إزالة حزب الله، أو القضاء على حماس، أو إسقاط النظام السوري – كل هذه أهداف ظاهرية تخفي الهدف الاستراتيجي الأعمق.
الهدف الحقيقي أكبر وأشمل: إعادة ترتيب الخريطة الجيوسياسية للمنطقة بحيث تصطف جميع القوى خلف الغرب، وتبتعد نهائياً عن التحالف الروسي الصيني الصاعد.
## نمط متكرر عبر جغرافيا واسعة
إذا نظرنا بعين فاحصة إلى ما حدث في العراق منذ 2003، وما يحدث في سوريا منذ 2011، والتدخل في ليبيا، والحرب في اليمن، والضغط المستمر على حزب الله، والحصار على غزة – سنجد خيطاً واحداً يربط بين كل هذه المشاهد.
كلها دول أو قوى كانت تميل في توجهاتها أو تحالفاتها نحو المحور الشرقي، أو على الأقل تحافظ على استقلالية قرارها السياسي بعيداً عن الهيمنة الغربية المطلقة.
## إيران في قلب الاستهداف
إيران اليوم تقف في قلب هذا الاستهداف لأسباب جيوسياسية واضحة:
– *الموقع الجغرافي الاستراتيجي*: تتحكم في مضيق هرمز ولها حدود مع دول آسيا الوسطى الغنية بالطاقة
– *التحالفات الشرقية*: علاقاتها المتنامية مع روسيا والصين في إطار مجموعة بريكس وتعاون اقتصادي متزايد
– *النفوذ الإقليمي*: شبكة تحالفاتها الإقليمية من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن
– *الاستقلالية القرارية*: رفضها الانصياع للضغوط الغربية في قراراتها السيادية
## الآلية: الاحتلال الصهيوني كأداة تنفيذية
ما يجعل هذا السيناريو فعالاً هو استخدام الكيان الصهيوني كأداة تنفيذية مباشرة، برعاية وحماية كاملة من الإدارة الأمريكية. هذا التقسيم للأدوار يحقق عدة أهداف:
– *التبرير الأخلاقي*: تصوير العمليات كدفاع عن النفس وليس عدواناً
– *تجنب التورط المباشر*: تجنب أمريكا للتورط العسكري المباشر والمكلف
– *الضغط النفسي*: استخدام العامل النفسي والخوف لدفع الأهداف للتنازل
– *التدرج في التصعيد*: إمكانية التحكم في مستوى ونطاق العمليات
## التوقيت ليس عشوائياً
التوقيت الحالي ليس مصادفة. العالم يشهد تحولاً جيوسياسياً كبيراً مع صعود القوة الصينية والعودة الروسية، وتشكل تحالفات جديدة تتحدى الهيمنة الغربية التقليدية.
هذا التحول يتطلب إعادة ترتيب سريعة للمنطقة قبل أن تصبح جزءاً لا يتجزأ من المعسكر الشرقي الجديد.
## قراءة المستقبل
إذا كان هذا التحليل صحيحاً، فإن ما نشهده اليوم في المنطقة ليس مجرد صراعات منفصلة، بل جزء من معركة جيوسياسية أكبر لإعادة تشكيل النظام العالمي.
النتيجة النهائية لهذا السيناريو، سواء نجح أم فشل، ستحدد ملامح المنطقة والنظام العالمي للعقود القادمة. والسؤال المطروح: هل ستنجح هذه الاستراتيجية في تحقيق أهدافها، أم أن المقاومة الإقليمية والتحولات العالمية ستؤدي إلى نتائج مختلفة تماماً؟
……………………………………
الكاتب: إعلامي ومحلل سياسي