تمدد الصناعات العسكرية في إسرائيل: توسّع محفوف بالتحديات وسيناريوهات التحوّل

كتب: أشرف التهامي

شهدت الصناعات الدفاعية في إسرائيل توسعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بسياقات جيوسياسية متشابكة وتنامي التوترات الإقليمية، وهو ما انعكس في تزايد اهتمام الخبرات التكنولوجية بالانخراط في هذا القطاع.

هذا التحوّل أثار تساؤلات جادة حول مصير قطاع التكنولوجيا المدنية الإسرائيلي، الذي لطالما كان عنوانًا لاقتصاد الشركات الناشئة.

وقد ساهمت التطورات العسكرية الأخيرة – من بينها التصعيد مع إيران – في تعزيز حضور قطاع الصناعات الدفاعية، سواء عبر زيادة الإيرادات أو من خلال الجاذبية المتنامية التي بات يمثلها هذا القطاع بالنسبة للمتخصصين في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والطائرات المسيّرة.

ومع كل أزمة أمنية جديدة، تزداد قدرة الصناعات العسكرية على استقطاب المهندسين والمبرمجين، وتزداد هيمنة خطاب “الأمن القومي” كمدخل لإعادة توجيه الطاقات.

في هذا السياق، أشار تقرير تحليلي للخبير الإسرائيلي موران تشامسي، نُشر مؤخرًا في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إلى أن قطاع الدفاع بات خيارًا مفضلًا لدى العديد من المواهب التقنية، لا سيما في ظل تراجع الاستقرار الاقتصادي العام.

ويرى التقرير أن الإقبال على هذا القطاع يعود إلى ما يوفّره من استقرار وظيفي وفرص تدريب منتظمة، بالإضافة إلى شعور بالارتباط المباشر بالأمن الوطني.

ومع انتقال عدد متزايد من الكفاءات من قطاع التكنولوجيا المدنية إلى الصناعات الدفاعية، تزداد قدرة الأخيرة على تقليص الفجوات في الرواتب وتوسيع قاعدة الابتكار.

إلا أن هذا الاتجاه يفتح في المقابل بابًا واسعًا للجدل حول التوازن بين الأهداف الأمنية ومتطلبات الاقتصاد المدني.

إذ يُخشى أن تتحول هذه الديناميكية إلى نوع من “هجرة العقول” من ميادين الابتكار المدني، وهو ما قد يُضعف التنافسية الإسرائيلية في الأسواق الاستهلاكية والعالمية.

فالإفراط في عسكرة التكنولوجيا يُمكن أن يُحوّل بيئة الشركات الناشئة إلى امتداد مباشر للمؤسسة العسكرية، وهو أمر قد يُنفر المستثمرين الأجانب، خصوصًا في الأسواق الغربية التي تتحفظ على الاستثمارات ذات الطابع العسكري.

ويرى مراقبون أن هذا التحوّل قد يفضي إلى تصدُّع في صورة “الابتكار الحر” التي لطالما رُوّج لها كعنصر أساسي في الهوية الاقتصادية الإسرائيلية.

فتزايد الاعتماد على الصناعات المرتبطة بالأمن قد يقلص من فرص اختراق الأسواق المدنية، ويضع قيودًا على حرية البحث والتطوير في بعض المجالات التقنية.

من هنا، يبدو أن النمو المتسارع لصناعة الدفاع في إسرائيل يفرض تحديات هيكلية عميقة على نموذج الاقتصاد القائم على التكنولوجيا. فالمعادلة التي تواجهها الدولة اليوم تتطلب إدارة دقيقة للتوازن بين ضرورات الأمن القومي ومتطلبات الاقتصاد المدني.

كما أن ضمان استمرار تدفق الاستثمار الأجنبي وتنوعه يقتضي الحفاظ على استقلالية قطاع التكنولوجيا المدني عن منطق العسكرة، وتوفير بيئة بحثية منفتحة.

إنّ مستقبل الابتكار في إسرائيل سيتحدد – إلى حد كبير – بمدى قدرتها على الموازنة بين هاتين الوجهتين: الدفاع بوصفه ضرورة أمنية، والمدنية بوصفها رافعة اقتصادية واستثمارية طويلة المدى.

طالع المزيد:

تقرير عسكري إسرائيلى: تفاصيل 12 يومًا من الطلعات والحصار الجوي لإيران

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى