أزمة رفاهية الشباب: تشخيص الواقع ورسم خارطة طريق للتعافي

كتب: على طه
تتزايد معدلات الاكتئاب والقلق والشعور بالوحدة بين الشباب، مع ضعف الروابط الاجتماعية وتفاقم تحديات الصحة النفسية، وفى هذا الصدد تشير تقارير متواترة صادرة عن منظمات الصحة العالمية، ومراكز الأبحاث النفسية والاجتماعية، إلى أن هذه الظواهر باتت تمثل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل الأجيال الجديدة، في ظل التحولات الاجتماعية والتكنولوجية والاقتصادية المتسارعة.
ويُدقّ الباحثون والخبراء ناقوس الخطر، مُطالبين بحلول عاجلة وشاملة لمواجهة الأزمات النفسية والاجتماعية الناتجة عن الرفاهية الزائدة فى حياة الشباب.
وينصح أطباء وباحثو علم نفس الاجتماع بأنه الضروري إعادة النظر في منظومات الدعم الاجتماعي والنفسي، وبناء استراتيجيات طويلة الأمد لتحسين الصحة النفسية للشباب.
وتشير الدكتورة إيمان عبد الله، باحثة في الصحة النفسية والمجتمعية، إلى أن “وصمة المرض النفسي لا تزال أحد أكبر

العوائق أمام السعي للعلاج في العديد من المجتمعات العربية، رغم ازدياد معدلات الوعي بين الشباب أنفسهم”.
أولاً: العوامل المؤثرة
وتحدد د. إيمان العوامل المؤثرة في تراجع الصحة النفسية لدى الشباب، فى 4 عوامل ويوضحونها فى التالى:
1- التفكك الاجتماعي وضعف الروابط المجتمعية
مع انتشار التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، تراجعت مستويات التفاعل البشري الواقعي، ما أدى إلى ازدياد الشعور بالعزلة.
لم تعد العلاقات الاجتماعية كما كانت في السابق تقوم على التقارب والتعاطف، بل باتت تخضع لمعايير سطحية، مما عزز شعور الاغتراب.
2- الضغوط الاقتصادية والتعليمية
يعاني الشباب من ضغوط متزايدة لتحقيق التفوق الأكاديمي والتأقلم مع متطلبات سوق العمل المتقلبة. كما يواجه العديد منهم صعوبات في الحصول على فرص عمل مستقرة، ما ينعكس على صحتهم النفسية بشكل مباشر.
3- صورة الذات وضغوط المقارنة
تسهم ثقافة “النجاح اللحظي” المنتشرة عبر الإنترنت في توليد شعور دائم بالنقص وعدم الكفاءة لدى الشباب، حيث يقارنون أنفسهم باستمرار مع رموز النجاح المزيف. وترى الدكتورة إيمان عبد الله، أستاذة علم الاجتماع، أن “التعرض المكثف لمعايير النجاح الزائفة على مواقع التواصل يؤدي إلى هشاشة في بناء الهوية النفسية لدى المراهقين، وهو ما ينعكس في ارتفاع نسب القلق وضعف تقدير الذات”.
4- ندرة خدمات الدعم النفسي المناسبة
لا تزال خدمات الصحة النفسية محدودة أو غير مهيأة للتعامل مع احتياجات الشباب، خصوصًا في المجتمعات منخفضة ومتوسطة الدخل. وتؤكد الدكتورة إيمان عبد الله، استشارية الطب النفسي، أن “قلة عدد الأطباء النفسيين المؤهلين، وضعف التمويل المخصص للخدمات النفسية، يؤديان إلى تأخر التدخلات العلاجية، ما يجعل العديد من الحالات تتفاقم دون دعم فعّال”.
ثانيًا: فرص التعافى
أما فرص التعافى المتمثل فى إعادة بناء الروابط وتعزيز القدرة على الصمود، فتكشف عنها د. إيمان كالتالى:
1 – تنمية المساحات المجتمعية الداعمة
دعم المبادرات التي تعيد تشكيل الروابط الاجتماعية بين الشباب من خلال نوادٍ ثقافية، ومراكز مجتمعية، وأنشطة تطوعية تعزز من التفاعل الإنساني.
2 – إعادة تأهيل البيئات المدرسية والجامعية
عبر تضمين مناهج تُعنى بالذكاء العاطفي، وتنمية المهارات النفسية، وتوفير مرشدين نفسيين متخصصين داخل المؤسسات التعليمية.
3 – إشراك الشباب في صناعة القرار
منح الشباب صوتًا حقيقيًا في صياغة السياسات المحلية والوطنية، مما يعزز من شعورهم بالانتماء والتمكين.
4 – إطلاق حملات توعية ومحو وصمة المرض النفسي
تبني حملات إعلامية ومجتمعية تُشجع على طلب الدعم النفسي، وتُحارب الأحكام المسبقة المرتبطة به.
ثالثًا: استراتيجيات مستدامة لتحسين الصحة
وتنصح د. إيمان بعدد من الاستراتيجيات المستدامة لتحسين الصحة النفسية للشباب، توضحها فى التالى:
– دمج خدمات الصحة النفسية في النظام الصحي العام: عبر توفير تغطية تأمينية للعلاج النفسي، وزيادة أعداد الأخصائيين النفسيين، وإدماج خدمات الصحة النفسية في الرعاية الأولية.
– استثمار التكنولوجيا بطريقة إيجابية: عبر تطوير تطبيقات وأدوات رقمية تُعزز الرفاه النفسي وتقدم تدخلات علاجية سريعة وميسورة التكلفة. وتلفت الدكتورة إيمان عبد الله، استشارية في علم النفس الإكلينيكي، إلى أهمية تطوير أدوات رقمية تراعي الخصوصية الثقافية وتُقدّم تدخلات بسيطة لكنها فعّالة، يمكن أن تسهم في الوقاية من الأزمات النفسية المبكرة.
– إقامة شراكات متعددة القطاعات: تعاون بين مؤسسات الدولة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني لتطوير حلول متكاملة ومستدامة تعالج الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
إعادة بناء الثقة
ويمثل دعم رفاهية الشباب استثمارًا في مستقبل المجتمعات واستقرارها، حيث لا يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال حلول جزئية أو مؤقتة، بل عبر تبنّي مقاربة شمولية تأخذ في الاعتبار الواقع المعقد الذي يعيشه الشباب، حسب د. إيمان عبد الله.
إن إعادة بناء الثقة والروابط الاجتماعية، وتعزيز التماسك النفسي، يستدعيان إرادة سياسية، واستثمارًا جادًا، وتضامنًا مجتمعيًا واسعًا. فالصحة النفسية ليست ترفًا، بل حق أساسي وركيزة لتحقيق التنمية البشرية الشاملة.
طالع المزيد:
– “كبسولات سامة” عرض مسرحي جديد بمكتبة مصر الجديدة العامة: إبداع الشباب ومزج الفنون