د. ناجح إبراهيم يكتب: «المشير طنطاوي.. وداعاً»
كتب د.ناجح إبراهيم مقالاً بعنوان: “المشير طنطاوي .. وداعاً” وتم نشره في جريدة الشروق السبت وهذا هو نص المقال:
• من أعظم حسناته أنه أحد أهم أبطال العبور في نصر أكتوبر عام 1973 فهو قائد الكتيبة 16 بالفرقة 16 مشاة التابعة للجيش الثاني الميداني عبرت قناة السويس دون أن تخسر سوى شهيد واحد.
• ومن حسناته العظام أيضاً أنه بطل ملحمة معركة المزرعة الصينية التي دمرت أحلام شارون وديان,وتكبد فيها الإسرائيليون خسائر فادحة في الدبابات والمظليين.
• وذكرت المراجع الإسرائيلية المقدم/طنطاوي كبطل ومحارب مصري عظيم,وتمني شارون لقاءه في مصر بعد الحرب بسنوات في عهد مبارك ولكن طنطاوي رفض اللقاء,وقبل مبارك ذلك,وقال أسحق موردخاي بعد عودته من زيارة لمصر: لم أكن أعلم أن المشير طنطاوي هو نفسه المقدم طنطاوي بطل معركة المزرعة الصينية الذي كبدنا الخسائر الفادحة.
• هزيمة الإسرائيليين علي يد طنطاوي حالت دون حدوث الثغرة من جهته حيث كانت كتيبته تؤمن المسافة بين الجيشين الثاني والثالث الميداني,كان ضباط طنطاوي يقولون : لن تمر دبابة إسرائيلية إلا علي جثتنا.
• طنطاوي خاض خمسة حروب ونال قرابة 23 وساماً عسكرياً رفيعاً,لفت نظر مبارك حينما ألقي خطبة في مطار أبو صوير العسكري بحضور مبارك مع الرئيس الفرنسي,مما جعل مبارك يعينه قائداً للحرس الجمهوري ثم رئيساً للعمليات ثم قائداً للقوات المصرية في حرب الخليج الأولي ثم وزيراً للدفاع.
• وهو من القلائل الذين وصلوا لهذا المنصب دون المرور بمنصب رئيس الأركان الذين استمروا في هذا المنصب الرفيع أكثر من عشرين عاماً كاملة.
• هو ابن النوبة,رجل عسكري يحتفظ دوماً بوقاره وهيبته وتحفظه,رغم ذلك هو بسيط وهادئ ومتواضع واحتفظ بذلك حتى نهاية حياته,لا يتحدث عن نفسه,لا يروج لها,لا يدور حولها,رغم أنه متحدث بارع وشاعر إلا أنه لا يحب الظهور ولا البحث عن الإعلام .
• رفض عرض مبارك أن يكون نائباً للرئيس بعد ثورة يناير,كان يكره التوريث,أو أن يحكم مصر مجموعة جمال مبارك,قال يوماً لمصطفي الفقي”إذا كنت تقابل الرئيس فقل له فيه لعب جامد قوي في البلد,كيف سيحكم فلان وفلان مصر,أبلغه أن هذا لن يكون إلا علي جثة آخر جندي مصري,وأن مصر دولة ليست ضائعة حتى يحكمها هؤلاء”,وخرج الأخير بخلاصة قالها لخاصته”التوريث لن يمر”وهذا من حسناته.
• ومن حسناته العظام أيضاً أنه جنب مصر بعد ثورة يناير ويلات كثيرة وإراقة دماء لا نهاية فيها,فهو الذي منع إطلاق النار علي المتظاهرين أثناء وعقب ثورة يناير,وهذا حقن دماءً كثيرة,ورفض إطلاق أي رصاص حي علي المتظاهرين في محمد محمود أو حصار وزارة الدخلية وحصار مؤسسات أخري رغم أن فض هذه الحصارات كان يمكن أن يتم في ساعة ولعل أهم شاهد علي ذلك هو اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية وقتها المعروف بمصداقيته ونزاهته,كما صبر كثيراً وطويلاً علي الذين حاصروا وزارة الدفاع وكان بعضهم يتمتع بسلاطة لسان وسوء خلق غير مسبوق وكانوا يستفزون الجنود بشتائم كثيرة فلا يردون فيشغلون لهم القرآن تارة أو الأغاني الوطنية تارة دون توقف للشتائم وحدث ذلك في حصارات المنطقة الشمالية العسكرية وغيرها.
• ولما فاض به الكيل عندما قتل بعض المحاصرين شاويشاً من حراسة وزارة الدفاع أجلي المتظاهرين بالصاعقة دون ذخيرة حية في 20دقيقة ليعرفهم أنه كان قادراً علي ذلك من قبل.
• لقد كان حصار المتظاهرين لوزارة الدفاع المصرية عاراً كبيراً لم يحدث في تاريخ مصر,ولم يحدث في تاريخ أي دولة متقدمة.
• المشير طنطاوي لمن لا يعرفه كان يساوي كلمه”حقن الدماء”,كان يردد لمن حوله”لا أريد دماءً,لا أريد صداماً بين الجيش والمتظاهرين”رغم شجاعته وقوته كقائد عسكري,وكل خواصه يعرفون عنه ذلك.
• ومن حسناته العظام أن أنزه وأدق انتخابات رئاسية وبرلمانية في تاريخ مصر الحديث كلها تمت في عهده ولم يتدخل فيها.
• أما عزوفه عن السلطة وتجرده عنها رغم أنها كانت في يده فيعرفه الجميع,فقد كان بإمكانه البقاء بالسلطة بعد الثورة,وكانت له آراء رائعة في نقل السلطة بعد الثورة لو طاوعه فيها الفرقاء والثوار والحركات الدينية لجنبت مصر ويلات كل الدماء والتفجيرات والاغتيالات والأحقاد والثأرات التي حدثت,فقد غدر به كل الفرقاء بعد اتفاقه معهم علي المرحلة الانتقالية,وبحث “كلُ علي ليلاه”,فحدثت الكارثة.
• من يريد أن يعرف من هو المشير طنطاوي فيطالع الآلام والمواجع التي قاساها وهو يريد الحفاظ علي مؤسسات الدولة في ظل هذه الثورة العارمة ويدرك كيف لم تدمر المؤسسات المصرية الفاعلة,وكيف لم تتوقف الدراسة ولا المرتبات ولا الجامعات ولا المواصلات في مصر رغم هول وصعوبة وثورات هذه الأيام,وأنه لم يتخلف موظف عن عمله ولا عن قبض مرتبه.
• المشير طنطاوي رغم بطولاته وتاريخه لا يحب الشو ولا الشهرة ولا الدوران حول ذاته ولا أن تتحدث الدنيا عنه,عاش هادئاً صامتاً وغادر الناس كذلك.
• الكثيرون لم يقدروا حسنات طنطاوي ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عنها,ولعل هذه أول مرة يكلفون أنفسهم بالاضطلاع عليها.
• إن أردت أن تلخص حياته في كلمة”هي الحكمة وحقن الدماء”,رحمه الله رحمة واسعة,وسلام علي آخر هذا الجيل الفذ من أبطال أكتوبر الذين أعطوا بغير حساب.