بعد أن كانت قطب استقرار مهددة بدخولها مرحلة عدم اليقين.. ألمانيا ما بعد ميركل
تقرير يكتبه: هاني الجمل:
مع بدء ظهور النتائج الأوّلية للانتخابات الألمانية، وفوز الاشتراكيين الديمقراطيين بنسبة 25.7% من الأصوات، وحصول معسكر المحافظين على 24.1% من الأصوات فقط، وحزب الخضر على 14.8%، يليه الحزب الديمقراطي الحرّ بنسبة 11.5%، يتساءل الجميع عن مستقبل المانيا بعد انتهاء فترة مستشارتها أنجيلا ميركل.
المرشح الاشتراكي – الديمقراطي أولاف شولتز، الذي حقق حزبه تقدماً طفيفاً، طالب المحافظين بالانضمام إلى صفوف المعارضة بعد حلولهم في المرتبة الثانية، مؤكداً أن “الحزب المسيحي الديمقراطي والاتحاد الاجتماعي المسيحي (الفرع البافاري) لم يخسرا أصواتاً فحسب، بل تلقيا رسالة من المواطنين مفادها أنه لا ينبغي أن يكونا في الحكومة بل في المعارضة”.
وقال شولتز المرشح الأبرز لخلافة المستشارة أنجيلا ميركل إن الناخبين منحوا حزبه (يسار الوسط) وحزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر، ” تفويضاً واضحاً” لتشكيل الائتلاف الحاكم المقبل، فيما شدد المحافظون من جانبهم على حقّهم في تشكيل ائتلاف حكومي أيضاً.
ويرى المراقبون للنتائج المعلنة حتى الآن للانتخابات أن ألمانيا التي كانت قطب استقرار في عهد أنجيلا ميركل، تدخل في مرحلة عدم يقين نسبي مع مداولات صعبة متوقعة لتشكيل الحكومة المقبلة.
فلم يسبق للمحافظين أن سجلوا نسبة تقل عن 30%، الأمر الذي يعد انتكاسة قوية لمعسكر ميركل، التي تستعد للانسحاب من الحياة السياسية بعد 16 عاماً قضتها كمستشارة قوية. ومن المعروف أن الناخبين الألمان لايختارون المستشار مباشرة بل من خلال مجلس النواب، الأمر الذي يحتم تشكيل أغلبية، وهي عملية معقدة هذه المرة، لأن تحقيقها يطلب تشكيل ائتلاف مكون من ثلاثة أحزاب، وهو أمر غير مسبوق منذ عام 1950 بسبب تشرذم الأصوات.
وفي ظل الوضع الراهن، ثمة حلول عدة ممكنة للحصول على غالبية في البرلمان الألماني الذي سيضم عدداً قياسياً من النواب يبلغ 735 أي أكثر بـ 137 مما كان عليه العدد قبل أربع سنوات.
وقد يتحالف الاشتراكيون الديمقراطيون (206 نواب) مع الخضر الذين حلّوا في المرتبة الثالثة بحصولهم على 14.8%، (118 نائباً) والليبراليين في الحزب الديمقراطي الحر اليميني الذي حصد 11.5%، من الأصوات (92 نائباً).
كذلك يمكن للمحافظين (196 نائباً) أن يشكلوا الحكومة مع الخضر والليبراليين.
وفي هذا السياق أظهر استطلاع للرأي أن غالبية الناخبين تحبذ الخيار الأول، ويرى 43% أن أولاف شولتز يجب أن يصبح مستشاراً، وسيكون ذلك رهناً بإرادة الحزبين الصغيرين الذين وصفتهما صحيفة ” بيلد” الألمانية بأنهما ” صنّاع ملوك”.
وفي كل الأحوال فإن الأيام القليلة المقبلة ستحدد شكل الحياة السياسية في ألمانيا، وإن كانت هناك تحديات كثيرة ستواجه مستشارها الجديد في مرحلة ما بعد ميركل التي كانت شخصية توافقية تستطيع هندسة ائتلافات سياسية ناجحة بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وحزب الاشتراكي الاجتماعي، باعتبارهما أكبر حزبين في ألمانيا.
وفشل حزب الاتحاد المسيحي في الحصول على قيادة جديدة بعد ميركل، لن يؤثر فقط على الانتخابات أو اختيار المستشار الجديد، وإنما سوف يلقي بظلاله على الاقتصاد الألماني، وعلى الاتحاد الأوروبي.
فمواطنو الاتحاد الأوروبي – على سلبي المثال – يرون أنه كان من الممكن أن يكون هناك المزيد من الصراعات الدولية لو لم تكن المستشارة الألمانية ميركل، في قيادة الاتحاد الأوروبي، وهو رأي سائد بشدة في إسبانيا وهولندا والبرتغال، حسب استطلاع أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
ويعتقد المجلس أن ميركل تعد مرشحة قوية محتملة لرئاسة الاتحاد الأوروبي في المستقبل، حيث يُنظر إليها على أنها قوة موحدة. ويرى تقرير المجلس الذي جاء بعنوان «ما بعد الميركلية: ما يتوقعه الأوروبيون من ألمانيا ما بعد الانتخابات»، أن الحكومة الألمانية المقبلة سوف تضطر إلى تقديم أفكار واضحة لمكافحة انهيار سيادة القانون داخل الاتحاد الأوروبي، كما سيتعين عليها العمل بجد للحفاظ على الثقة التي اكتسبتها ألمانيا خلال عهد ميركل.
في النهاية يمكن القول إن فترة ميركل وما شهدته ألمانيا خلالها من استقرار داخلي ومكانة أوربية ودولية سيشكل ضغطاً كبيراً على من سيتولى هذا المنصب مستقبلاً، لأن صورة المستشارة الألمانية الساطعة ستظل مجالا للمقارنة بين حقبة مستقرة وأخرى ما زالت ضبابية على الأقل حتى الآن ليس فقط لستين مليون ألماني بل للقارة الأوربية كلها وللعالم.
