د. ناجح إبراهيم يكتب: وحيد الدين خان.. وداعاً
كتب د. ناجح إبراهيم مقالاً عمن وصفه بأنه أعظم مفكر وفيلسوف هندي طوال الـ 70 عاماً الماضية، هذا الرجل الذى أعد تلاميذه لكي يكونوا سفراء سلام لا دعاة حرب وتصعيد, ليس في الهند وحدها ولكن في العالم، كما يقول كاتب المقال، المنشور أمس فى جريدة المصري اليوم بعنوان: ” وحيد الدين خان..وداعاً “، وفى التالى نص المقال:
• كان أشبه بالموسوعة العلمية المتحركة, وكان يطلق عليه”المفكر العملاق.
• ألف قرابة مائتي كتاب كلها أعمق من بعض عن الإسلام,والرد علي الملحدين وخصوم الدين,ترجم أربعين منها إلي اللغة العربية,ترجم معاني القرآن الكريم إلي الإنجليزية والهندية والأوردية حتى يستطيع المسلمون الناطقون بهذه اللغات فهم القرآن بصورة صحيحة.
• تعرف سعه اطلاعه وعمق دراسته من خلال موسوعية وعمق مؤلفاته التي بهرت الدنيا كلها ولم تقف عند وطنه الهند بل وصلت إلي العالم كله ومنه العربي والغربي.
• كان يمكن أن يقرأ عشرة ألاف صفحة في الموضوع قبل أن يكتب عنه وهذا ما حدث معه في كتابه العظيم ” الماركسية في الميزان ” وكان يقرأ مائة صفحة ليكتب بعدها صفحة, فقد قرأ كل ما كتبه أباطرة الفكر الإلحادي قبل أن يكتب عنه, وكان يجيد عدة لغات منها الإنجليزية والهندية والأوردية والعربية, ويؤلف بها جميعاً.
• ومن أهم كتبه التي ترجمت إلي العربية واشتهرت في الوطن العربي ” الإسلام يتحدي ” الذي أثر في جيل كامل من العرب ونقل شبابهم من الإلحاد وجحود الله الذي شاع في الستينات وأوائل السبعينات إلي الإيمان والعودة إلي الله, ومنها كتب تجديد علوم الدين, حكمة الدين, الدين في مواجهة العلم, المسلمون بين الماضي والحاضر والمستقبل, خواطر وعبر.
• وصدق فتح الله كولن الذي نعاه بقوله: ” لقد كان رائداً حقيقياً للفكر الإسلامي بالهند فقد مثل الإسلام بكرامة داخل بلده وخارجه”.
• وحيد الدين خان الذي توفي منذ أيام قليلة كان يعد أعظم مفكر وفيلسوف هندي طوال 70 عاماً الماضية, وأعظم مفكري الإسلام علي مستوي العالم وهو من القلائل الذين جمعوا بين منهج الإسلام المعرفي والمنهج العلمي والفلسفي الحديث ولذلك نجح في مقارعة الإلحاد والعلمانية والماركسية بالحجة العقلية التي تصلح لإقناع المؤمنين وغيرهم علي السواء.
• وتعد مجلة “الرسالة” التي أصدرها منتصف السبعينات وحتى الآن من أهم الإصدارات الهندية التي نالت حظاً كبيراً من النجاح والقبول, وقد دعمت المجلة رؤيته لنشر روح السلام في الإسلام والمسؤولية الاجتماعية للمسلمين وقبول الآخر والترويج للفكر والعمل الإيجابي.
• ويعد وحيد الدين خان المؤسس الحقيقي لعلم كلام إسلامي حديث يناسب العصر كما قال عنه د/محمد عمارة”لقد وهب حياته كلها للدعوة الإسلامية وتخصص في إقامة الأدلة العلمية علي الإيمان الديني فبلور علم كلام جديد يناسب عصر العلم خالياً من جدل الفرق الإسلامية القديمة ومتجرداً عن محاكاة الفلسفة الإغريقية القديمة وقد أعانه علي ذلك ثقافته العلمية الواسعة ليقدم أعمالاً فذة غير مسبوقة”.
• لقد بدأ وحيد الدين خان حياته تلميذاً للمودودي ولكنه سرعان ما نفض عنه هذا الفكر ورد عليه,بل وسلم أستاذه رسائل ترد علي أفكاره واشتغل بمدرسته التي تدعو إلي السلام الاجتماعي والتعايش السلمي وقبول الآخر,وعدم استخدام العنف,أو حمل السلاح في مواجهة الدول.
• وقد ظهر موقفه جلياً حينما حدث انشقاق وتصدع كبير في المجتمع الهندي بعد أزمة المسجد البابري فقد شعر خان بضرورة أن يقنع الهنود جميعاً بالحاجة إلي استعاده السلام والوئام ولذلك حشد كل قادة الطوائف الدينية وقاموا بما سمي وقتها “مسيرة سلام” طافت 35 محافظة هندية.
• كما دعا إلي لقاءات تجمع القادة الدينين في الهند لنشر السلام والمحبة والتعايش السلمي والتركيز علي المشتركات الدينية والحياتية, كما أعد تلاميذه لكي يكونوا سفراء سلام لا دعاة حرب وتصعيد,ليس في الهند وحدها ولكن في العالم كله.
• لقد أفهم خان العالم كله أن الإسلام كان له فضل إسقاط الثيوقراطية والكهانة وتسخير الطبيعية لمصلحة الإنسان وليس تقديس الطبيعية, وأن العمل شرف ولا يخص العبيد كما كان شائعاً في أوربا في عصور ظلامها.
• لقد كان وحيد الدين أحد دعاة السلام في العالم كله, وأحد دعائم السلم الاجتماعي بين المسلمين والهندوس في الهند, وأحد دعاة نبذ العنف في كل المجتمعات الإسلامية, بل وقف الحروب في العالم كله, ومن كتبه في ذلك التي ترجمت للعربية “رسول السلام..تعاليم النبي محمد”, “أيدلوجيا السلام”, “الجهاد والسلام والعلاقات المجتمعية في الإسلام”, وكلها ترجمت إلي العربية, فقد كان يترجم له ابنه العلامة ظفر الدين خان.
• العلماء الموسوعيون قلة,والحكماء منهم قلة أيضاً,وهم يتساقطون واحداً إثر الآخر دون أن يلوح في الأفق بعث جديد لتلاميذهم فقد نضب المعين وقل الراغبون في العلم الموسوعي وندر طلاب العلم وعلماؤه.
• ولا أري أن نظرية البدائل تعمل في عصرنا حيث يلهث الناس خلف المال والسلطة فقط, وكلما تساقط غصن لا يقوم مكانه آخر.
• والمطروح علي المساحة المصرية والعربية غثاء يلهث وراء الدنيا, ينظر إلي متاعها قبل أن ينظر إلي الله والآخرة.
• رحم الله العلامة وحيد الدين خان.