إكسبو دبي 2020.. تجربة ناجحة ينبغي الاستفادة منها
تقرير: هاني الجمل
حينما تتلاقى ثقافات وحضارات نحو مائتي دولة في معرض إكسبو 2020 دبي، فإننا أمام حدث كبير يؤكد المكانة الكبيرة التي تتميز بها دولة الإمارات على صعيد صناعة المعارض والمؤتمرات، التي أصبحت احدى الصناعات المهمة التي تلعب دوراً مهماً في التنمية الاقتصادية، وزيادة الاستثمارات ومعدلات السياحة الوافدة، وهو حدث ينبغي الوقوف عنده والاستفادة منه.
اقرأ أيضا.. وزيرة التجارة تبحث مع وزير السياحة الاستعدادت الخاصة بالمشاركة المصرية بمعرض إكسبو دبي 2020
فالحدث الكبير فرض نفسه على عواصم العالم، التي شاهدت عن قرب كيف استطاع أبناء الإمارات ومن خلال الافتتاح المبهر للمعرض، أن يؤكدوا للجميع أن بلادهم ستظل الرقم الصعب في صناعة المعارض الكبرى، بعد أن تغنت الدنيا باسمها وهي تتابع هذا الحدث الاقتصادي والسياحي الأهم على مستوى العالم.
فإكسبو 2020 دبي الذي يستهدف 25 مليون زائر، برهن للجميع أن صناعة المعارض فن دقيق لا يجيد التعامل معه إلّا أصحاب الخبرات الطويلة، فما قدّمه أبناء الامارات على أرض دبي، لم يأت من فراغ، بل هو نتاج عمل شاق وجهد كبير بدأ منذ قيام الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971.
فصناعة المعارض والمؤتمرات لعبت دوراً حيوياً في رفد مسيرة التنمية الشاملة التي حققتها الإمارات في كافة المجالات، وشكلت منصة حيوية لتعريف العالم بما يتم تحقيقه على أرضها من إنجازات، والاطلاع على تجارب الدول الأخرى، وتبادل الخبرات وخلق المزيد من الفرص والشراكات محلياً وعالمياً.
وكي نعرف القيمة الكبيرة التي يحملها معرض إكسبو 2020 دبي، علينا أن نتوقف قليلاً مع لغة الأرقام باعتبارها الأصدق في هذا المجال.
فبعيداً عن الأثر السياحي والإعلامي الذي تجنيه الإمارات من وراء تلك الخطوة العملاقة، يمكن القول إن إكسبو 2020 الذي سيستمر ستة أشهر يستهدف 25 مليون زائر، بعد أن نفذت دبي مشروعات لإنشاء المرافق الخاصة باستضافة المعرض، بلغت نحو 8 مليارات دولار، الأمر الذي يعني أن لدى دولة الإمارات فرصة ذهبية لتعزيز دورها وإبراز مكانتها على الساحة الدولية، والاستفادة من الزخم الاقتصادي الذي سيوفره المعرض، من أجل تعزيز نمو اقتصادها، وفتح آفاق جديدة للمزيد من فرص الدخل والتنمية الشاملة والمستدامة، وترك إرث مستدام للأجيال القادمة.
ولهذا ليس بغريب أن تشير معظم التقديرات إلى أن دبي استقبلت خلال فترة التجهيز للمعرض استثمارات بلغت نحو 37 مليار دولار، ومن المتوقع أن تستقبل أيضاً استثمارات بنحو 6 مليارات دولار خلال فترة انعقاد المعرض، ما يعني أن إجمالي الاستثمارات التي ستستقبلها منذ عام 2013 وحتى نهاية المعرض سيصل إلى 43 مليار دولار.
ومن المعروف أن حجم صناعة المعارض عالمياً بلغ ما يقرب من تريليوني دولار موزعة على 9 آلاف معرض، الأمر الذي يؤكد أن صناعة المعارض أصبحت تلعب الدور الأكبر في اقتصاد الكثير من الدول وعلى رأسها دبي حيث باتت سياحة المعارض والمؤتمرات تستحوذ على نسب تتراوح بين 15 إلى 30% من إجمالي أعمال القطاع الفندقي بها، وتشكل العمود الفقري لإشغال الغرف الفندقية، وتلعب دوراً كبيراً في تنشيط حركة التسوق ومبيعات التجزئة في الأسواق.
مصر في إكسبو دبي
وفي إطار العلاقات المميزة بين مصر والإمارات تأتي المشاركة المصرية الحالية في معرض إكسبو 2020 دبي ، وهو ما عبر عنه الدكتور أحمد مغاوري المفوض العام للمشاركة المصرية في إكسبو دبي 2020، بقوله “إن الخصوصية التاريخية للهوية المصرية تشكل أساساً لمستقبل مشرق ومزدهر، ورسالتنا هي أن مصر دولة سلام تتكامل مع دول العالم من خلال مبادراتها التنموية العملاقة على النطاق الإقليمي والعربي والأفريقي والدولي، وهو ما يعكسه الجناح المصري من خلال محتوى مبتكر وجاذب من حيث تقنيات وأدوات العرض والتي صممت وصنعت كلها بأيادٍ مصرية”.
وأضاف أن العلاقات المصرية الإماراتية متفردة لها خصوصية لا يمكن وصفها في كلمات فما يجمع الشعبين الشقيقين وقيادتي البلدين أمر لا يتكرر كثيراً في نمط العلاقات الدولية، وينعكس هذا بوضوح خلال اللقاءات الأخوية التي تجمع قيادات البلدين فنحن نعتبر أنفسنا في بلدنا ونعتبر مصر وطنا لكل إماراتي بل لكل عربي.
وأشار في حوار لوكالة أنباء الإمارات، إلى أن المزج المبهر بين العراقة والمستقبل داخل الجناح المصري تأخذ الزائر في جولة ساحرة ليرى ويتفاعل مع مصر المستقبل كما يراها أبناؤها وكما نحب أن يراها العالم، فنحن نحب أن يراها العالم كما كانت مشرقة ومبهرة وبراقة مثلما نحب أن نسميها “أم الدنيا”.
ووصف الدكتور أحمد مغاوري، الافتتاح التاريخي للمعرض بأنه فخر للأشقاء في الإمارات ولكل عربي من المحيط للخليج. وقال إن إكسبو 2020 دبي فرصة عظيمة جمع 192 دولة تحت شعار عبقري “تواصل العقول وصنع المستقبل” لنعيد تقديم أنفسنا من خلال ما نمتلكه من مقومات أساسية وتعزيز مبادئ السلام والتكامل والتنمية والازدهار من أجل الجميع.
مصر والمعارض
وهنا نتساءل.. كيف يمكن لمصر أن تستفيد من تلك التجربة الثرية للمعرض، والتي يعود تاريخها إلى عام 1889، خاصة أنها تمتلك كل المقومات الضرورية اللازمة للنجاح. فمصر لديها السوق الكبيرة التي تضم جميع الصناعات والاستثمارات، والبنية التحتية القوية التي تؤهلها لإقامة مثل هذه المعارض والمؤتمرات بصفة دائمة، إلى جانب امتلاكها لعدد كبير من الغرف السياحية التي تجعلها جاهزة طوال العام لإقامة معرض أو مؤتمر دولي.
يتفق معظم المحللين على امتلاك مصر لكل مقومات النجاح في مجال إقامة المعرض الكبرى ، كما يقول أحمد مهران – خبير صناعة المعارض والمؤتمرات – الذي يرى أن مصر تمتلك جميع الصناعات المغذية والمكملة لها. كما أن شرم الشيخ مؤهلة لتصبح مدينة عالمية للمؤتمرات والمعارض الدولية، حيث تمتلك كل مقومات النجاح من بنية تحتية وامكانات تكنولوجية وفنادق ومساحات تناسب كل أنشطة المعارض المختلفة ومناخ ساحر طوال العام يساعد فى جذب ملايين السياح من جميع دول العالم.
وفي السياق ذاته يرى وائل الشافعي – خبير المعارض – أن صناعة المعارض لم تعد رفاهية كما كان ينظر إليها في الماضي، حيث أصبحت صناعة مهمة وتسهم في جذب استثمارات جديدة، كما توفر الآلاف من فرص العمل وتعمل على جذب السياح.
وأشار إلى أن مصر ستنتقل نقلة كبري في مجال المعارض بعد افتتاح مدينة المعارض إكسبو سيتي بالعاصمة الادارية الجديدة التي تقام على مساحة 500 فدان باستثمارات 600 مليون دولار بأحدث تكنولوجيا عالمية وسيتم الانتهاء منها، خلال ثلاث سنوات، بعدها ستصبح مصر رائدة المعارض في إفريقيا والشرق الأوسط حيث تعد مدينة المعارض الجديدة من أكبر مدن المعارض عالمياً والأكبر بالشرق الأوسط وإفريقيا.
مقترحات مهمة
أمّا الدكتور باسم أحمد كليلة – أحد صناع المعارض والمؤتمرات – فيرى أن نصيب مصر من المعارض الدولية يمثل نسبة ضعيفة لا تتجاوز 0.6% بينما تصل النسبة في الولايات المتحدة إلى ما يقرب من 12% وفى ألمانيا تصل إلى 18%.
وقال ان صناعة المعارض في مصر تعد من الصناعات الناجحة ولكننا نحتاج إلى دعم الحكومة، والكثير من التسهيلات في هذا القطاع والتغلب على العراقيل والبيروقراطية، مشيراً إلى أنه لابد من وجود تنسيق بين هيئة المعارض وهيئة تنشيط السياحة ووزارة الطيران لوضع تعريفات بمواعيد المعارض على الطائرات ونشاط العارضين، فهذا أمر مهم للسياحة وللأسف لا يوجد أي اهتمام بهذا النوع من السياحة من قبل الشركات السياحية لأنها تهتم بالسياحة الترفيهية والثقافية فقط.
وشدد على أن الاهتمام بهذا النوع من السياحة يجذب العديد من السياح ذوي النفقات العالية، ويقوم بالترويج للمقاصد السياحية بشكل تلقائي ويحسن من الصورة الذهنية للبلد بشكل كبير، لأنه يعكس حالة الاستقرار السياسي والأمني بها.
المنحى ذاته ذهب إليه مروان عبد الرازق – خبير تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإدارة المعارض – الذي قال إن سياحة المعارض في مصر غير مكتملة وليس لدينا خطة للترويج لها بشكل محترف كما يحدث في جميع دول العالم، حيث توجد أجندة ثابتة للمعارض والمؤتمرات الدولية الكبرى مثل ألمانيا والصين ودبي ويجب التنسيق مع الشركات السياحية والقطاعات المسئولة عن المعارض حتى تتحقق أكبر فائدة ممكنة على الاقتصاد الوطني.
وفي النهاية نبارك لدبي استضافتها بنجاح لإكسبو2020، ونتمنى أن تستفيد مصر من تلك التجربة خاصة أنها تمتلك كل مقومات النجاح وتشهد نهضة جديدة طال انتظار الجميع لها.