هاني الجمل يكتب: روح أكتوبر والجيل الجديد والعبور الثاني  

في حياة كل أمة أيام مضيئة، يسجلها التاريخ بحروف من نور، لتكون منارة للأجيال الجديدة كي تنهل منها لتستشرف آفاق المستقبل.

والسادس من أكتوبر من عام 1973 واحد من تلك الأيام المجيدة في حياة كل مصري وعربي، لأنه أعاد الكرامة للأمة العربية جم هاني الجملعاء بعد ست سنوات عجاف من الهزيمة.

وربما لا يشعر بهذه المعاني، إلّا كل من عاش مثلي تلك المرحلة بكل تفاصيلها المريرة منها والسعيدة، فأمثالي ممن هم في آواخر العقد السادس تجرعوا هزيمة يونيو 1967 بكل قسوتها، وعاشوا مرحلة اعداد الوطن لتحرير الأرض ومرّوا بحرب الاستنزاف وصبروا على الألم وقسوة الحياة.

وليت شباب اليوم يعرف الكثير عن حرب السادس من أكتوبر التي لم ينصف التاريخ بعد أبطالها ومنهم الكثير ما زالوا على قيد الحياة، ويكفي هنا أن نقول إن خطط تلك الحرب المجيدة ما زالت تدرس في أكبر الكليات العسكرية الدولية، لأنها كانت معجزة بكل المقاييس، تغلب خلالها الجندي المصري على كل الصعوبات، وحقق ما كان يراه كل الخبراء العسكريين مستحيلاً. ومن هنا فإن توثيق الروابط مع الأجيال الجديدة ضروري لتعريفها بوقائع نصر أكتوبر وأبطاله، خاصة أنه يتكشف كل عام المزيد والجديد من معجزات تحققت خلال تلك المعركة الأهم في التاريخ الحديث.

ولا يمكن للأجيال التي عاشت تلك الحرب أن تنسى البيان الأول الذي صدر عن القيادة المصرية في الساعة الثانية والربع بعد ظهر يوم السبت الموافق السادس من أكتوبر 1973، حيث تغير وجه الحياة بعد أن قامت قواتنا المسلحة بعبور قناة السويس، واقتحام خط بارليف، ودك حصون القوات الإسرائيلية.

لقد جاءت حرب أكتوبر المجيدة لتعيد الثقة للجيش المصري بنفسه، بعد أن كسرت في ذات الوقت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر في معركة غيرت موازين القوى في العالم. وستظل الدروس المستفادة من حرب أكتوبر كثيرة، حيث اجتمعت فيها الروح القتالية والدبلوماسية الرائعة التي خاضت حروبًا لا تقل أهمية عن الحروب العسكرية، ونجحت في استراد آخر شبر من الأراضي المصرية في طابا.

وإذا كانت الدماء الذكية لجنود مصر قد روت سيناء في حرب يونيو عام 1967 وخلال معركة 1973، فإن أرضها المباركة تشهد اليوم بدء مشروعات كبرى لربطها بوادي النيل والعمل على تحويلها إلى منطقة استراتيجية متكاملة، بعد استرداد السيادة الكاملة على قناة السويس وعودة الملاحة إليها في يونيو 1975م.

ولا يمكن فصل العبور الأول لقواتنا المسلحة عام 1973 عمّا يجري اليوم في سيناء من مشروعات وهو ما يمكن أن نطلق عليه العبور الثاني. ومما يبشر بالخير في هذا السياق افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ أيام قليلة أضخم محطة لمعالجة مياه الصرف في العالم بتكلفة 20 مليار جنيه، وهي المحطة التي تسهم في استصلاح واستزراع 500 ألف فدان بسيناء. وحينما نعلم أن ما تم تنفيذه من مشروعات في سيناء منذ عام 1973، وحتى عام 2014، – 41 عاماً – لا يتعدى بضع عشرات من المليارات من الجنيهات، في حين تجاوز حجم الإنفاق منذ عام 2014 وحتى الآن الـ 700 مليار جنيه، لأدركنا مدى الاهتمام الذي توليه الدولة لهذه المنطقة المهمة من أرض مصر.

وفي الذكرى الثامنة والأربعين لنصر أكتوبر، لابد أن نعظم من هذا النصر ونعرّف الأجيال الجديدة به، والبناء عليه كي تستمر مسيرة الإنجازات في جميع مناحي حياتنا ، ولن يتم ذلك بصورة صحيحة إلّا بعودة مادة التربية الوطنية إلى مدارسنا كمادة أساسية ، كما طالبت كاتبتنا الكبيرة سكينة السادات ” لأهميتها في تعميق وعى الأجيال وانتمائهم وفخرهم ببلادهم، وتقلل من أحلام الاغتراب والهوس بكل ما يأتي من الغرب، وأن يتكامل تعميق الوعى بالتربية الوطنية لتحقيق ما يتطلع إليه المصريون شباباً وشيوخاً من تيسير مقومات الحياة ، وفرص العمل وعدالة البنية الإنسانية والثقافية والاقتصادية والصحية بلا تمييز أو تفرقه، وإعلاء قيمة المواطنة والاجتهاد وكل ما يساعد على توثيق روابطهم بأرضهم والانتصار على كل ما واجههم من تحديات وأخطار” .

في النهاية يمكن القول إن حرب اكتوبر1973، ستبقى رمزاً للكرامة المصرية والعربية ، وإن استلهام روحها ونقلها للأجيال الجديدة ، يظل هدفاً سامياً، كي تستمر مسيرة البناء والتضحية ، وكي تظل لمصرنا الجميلة مكانتها المميزة بين الأمم .

 

زر الذهاب إلى الأعلى