الكاتبة النمساوية سونيا بوماد لـ”بيان”: “ثقب الذاكرة الأسود” ساعدتني في تخطي أزمة كورونا.. وأضع نفسي مكان القارئ قبل أن أكتب 

حوار: إسلام فليفل

عندما يخيم المساء في النمسا.. تمشي في شوارعها.. تقرأ في أدب ميخائيل نعيمة 

أهرب من الواقع وتأخذني الكتابة إلى عالمها السحري 

اهتم بالبحث عن المفقود وما يفتقر إليه العالم في أفكار رواياتي 

لبنان جرح في القلب لا يشفى وأتمنى لشعبها أن يستيقظ

تعودت خلال مشوارها الأدبيّ أن تُقدّم ما يليق بالقارئ، تحترم تفكيره وتطرح وتُناقش أهم القضايا التي تتعلّق به وبحياته في العصر الحالي، قدّمت أعمال مُبهرة صُنّفت بالأقوى، وشاركت بمدوّنات رثائية عظيمة، ولها العديد من الأعمال الأدبية التي تعلّقت في أذهان الكثيرين.. هي الكاتبة النمساوية من أصول لبنانية “سونيا بوماد”، والتي التقطتها “بيان” في حوار ساخن.

إلى نصّ الحوار:

في البداية.. نود أن نُطلع الجمهور عن روايتك الجديدة “ثقب الذاكرة الأسود”؟

لقد تعودت خلال مشواري الأدبي منذ عشر سنوات أن أُقدم ما يُليق بالقارىء العربي الذي أحترم تفكيره، ولهذا أحرص مع كل إصدار أن أُناقش طرحًا جديدًا، وهذا الأمر يُحيرني أنا شخصيًا، حيث أبحث دائمًا عن أفكار مختلفة من واقع الحياة تحمل حلول وتفسيرات في بعض الأحيان، ومن هنا إنطلقت فكرة رواية “ثقب الذاكرة الأسود” بعد أن اتحفتنا المحطات العالمية بالعديد من الأخبار والبيانات حول ظهور أجسام غريبة مجهولة المصدر، وغيرها من الظواهر الغامضة التي أغرقت سُكان الأرض بالخوف من المجهول القادم.

من هنا قررت أن أُناقش موضوع المجهول مع قرائي حتي نتبين الواقع من الخيال، وتفاصيل القصة يدور جزء منها في وكالة الفضاء ناسا ومحطة الفضاء الدولية، والجزء الآخر في أحد البلدان العربية، ونتابع على مدار السرد قصص أبطال الرواية بين تلك المجتمعات التي يشغلها العلم والمعرفة والجهل والخرافة في أحيان أخرى.

وهل إسم الرواية “ثقب الذاكرة الأسود” يرجع إلى وجود ذاكرة سوداء معينه عاشتها “بوماد” من قبل؟ 

إسم الرواية “ثقب الذاكرة الاسود”، هو مصطلح يطلق على الأماكن التي تُخفى فيها المعلومات والملفات التي يُحَرم على سكان هذه الأرض معرفتها، فمن خلال هذه الرواية حاولت أخذ القاريء معي إلى هذا العالم لنكتشف معًا ما حُرم علينا معرفته والسؤال بخصوصه، وما زاد من أزمة المعرفة لديّ أن كتابة الرواية تزامنت مع أزمة كورونا وخوفنا جميعًا على مصائرنا من المجهول القادم، وخوفي أنا شخصيًا على الأرض وعلى سكانها وإحساسي بسودوية هذه الذكرى التي أحاول بعد تكشف أزمة كورونا أن أحمل نفسي ومن حولي على التفكير المنطقي لما نعيشه بعيدًا عن الإشاعات التي تبث في نفوسنا الخوف والرعب أيضًا.

وماذا عن الوقت الذي استغرقته الرواية حتي تنتهي منها بوماد؟

بسبب فترة الحجر الصحي أغلقت الدول أبوابها أمام الجميع وخصوصًا النمسا، لم نكن نستطيع مغادرة منازلنا وحتى متطلباتنا الشخصية كانت تُحمل إلينا حيث نُقيم، هذه كانت الأجواء العامة في العالم أجمع، بالإضافة إلى حالة القلق الشخصي التي انتابتني، جعلتني أنصرف عن الواقع الذي نعيشه أثناء كورونا، لتأخذني الكتابة إلى عالمها الساحر.

وبمجرد أن بدأت في إمساك قلمي لكتابة أول فصول الرواية شعرت براحة نفسية، وأعطتني طاقة إيجابية كبيرة ساعدتني في تخطي أزمة كورونا المرعبة للجميع، وهنا إستغرقت الرواية ثمانية أشهر حتى انتهيت من كتابتها، ويمكنني القول أن مدة كتابة “ثقب الذاكرة الأسود” قصير رغم تشعب المواضيع ودقتها مقارنة بالوقت الذي إستغرقته في كتابة روايات أخرى.

حدثينا عن طقوسك أثناء الكتابة؟

لا يوجد لديّ طقوس معينة، لكن في معظم الأحيان يرافق فترة التفكير بالرواية الكثير من المشي حينما يحل المساء في شوارع النمسا الساحرة، والقراءة في الكتب، والإطلاع على المراجع والأبحاث، التركيز على كتب علم النفس والأدب، إلى أن تختمر القصة وتكتب نفسها، وفي بعض الأحيان أشعر بأنني لست سوى أداة للتلقي والكتابة، وكثيرًا ما تذهب الرواية إلى المكان الذي تريده هي بعيدًا عما خططت أنا لها.

كيف تختار سونيا بوماد أفكار رواياتها؟

أُراقب الحياة المعيشية والمشاهدات اليومية كثيرًا، اقرأ وأطلع أكثر، والاحظ ما يفتقر إليه عالم الادب، أسال نفسي ما الذي اود قراءته انا كقارئ، أحاول أن أبحث عن المفقود والذي لم يُطرح بعد، واسعى إلى الباسه اثوابًا جديدة تناسب العصر وعقول الشباب، أحرص أن أُحيطه بالعمق والتحليل والبساطة، ومن خلال أي فكرة أحاول أن أرضي القارئ الذي في داخلي قبل أن أتجه إلى الجمهور.

هل ترين الكتابة موهبة أم هواية؟

الكتابة تجمع بين الإثنين، من لا يهوى الكتابة لن يكتشف موهبته في الغوص في بحور عوالمها.

مَن مِن الكتاب تفضلين القراءة له؟

حاليًا أحب القراءة في أدب ميخائيل نعيمة، فيلسوف ومفكر من رواد أدب المهجر ولم يُعطى حقه بعد رغم إبداعه وتنوع كتاباته.

جذورك في الأصل لبنانية.. كيف ترين الوضع حاليًا في لبنان؟

لبنان جرح بالقلب لا يشفى، وأتمنى من الشعب اللبناني أن يستيقظ قبل فوات الأوان، وقبل أن يختفي لبنان من على الخريطة، لاأدري حتى الآن لماذا هذا التخاذل الشعبي بعد أن رُفعت أعلام الثورة بسبب تسعيرة كانت ستفرض على الواتس آب، أما الآن فلقد سُحب من الشعب كل شيء حتى حقه بالعيش ولازال صامتًا، وبعد غياب الراعي لا أعرف هل نلوم القطيع أم الذئب، أم الإثنين وجهين لعملة واحدة.

تديرين منظمة شرق غرب لدمج الحضارات.. حدثينا عنها وعن طبيعة ما تقدمة؟

في 2015 قُمت بتأسيس شرق غرب لدمج الحضارات، أقمت تحت مظلتها عدة فعاليات تشجع الإندماج بين الجاليات الوافدة والمجتمع المضيف، وكان لابد من إظهار وجهنا العربي الحضاري بعد ما الصق بنا من تُهم بالإرهاب والتخلف، أحاول من خلال شرق غرب إصلاح الصورة وعدم تعميم ما يفعله البعض على المجتمع العربي ككل، نحن لنا تاريخنا وحضاراتنا وعلينا أن نحافظ على هذه المكاسب برغم الظروف، وآخر ما قدمته من خلال المنظمة كان مجموعة قصصية بأقلام الجالية العربية وقد تُرجم للغة الألمانية وسنحتفل بإصداره في السابع من شهر ديسمبر في العام الحالي.

صدر لك العديد من الكتابات.. حدثينا عن الأقرب منها لقلب”بوماد”؟

لكل كتاب قصة، وفي كل كتاب جزء مني، يحكي عن مرحلة ما في تاريخ الحياة ومشاعري تجاهها، لهذا وكما يقال أُحبهم جميعًا وراضية عنهم جميعًا كما اولادي.

لماذا قررتِ دراسة الإعلام في الوقت الحالي؟

لقد عملت لمدة قصيرة في جريدة التحرير المصرية سابقًا، كنت حينها اقوم بدور المراسل من النمسا خلال تغطية بعد الأحداث التي شغلت المشاهد والقارىء العربي، وكانت تجربة جيدة إضافة إلى عملي في مجال الأدب والكتابة، وأدركت خلال عملي هذا بأن ما نكتسبه من خبرات جزء مهم من معارفنا وليس كله، وعلينا أن نثقله بالتعليم الأكاديمي لتسهيل العملية الإبداعية، والسبب الآخر للدراسة كان لتحفيز رغبتي بإتقان اللغة الألمانية مما سيسهل انطلاقي وتحركي في أوروبا وحول العالم.

وماهي رسالتك لشباب الكتاب.. ولمن يريد أن يكون كاتب ذو قيمة؟

اطلب منهم أن لا ينتظروا تصفيق وأن لا يوقفهم تصفير، فهم يكتبون للتاريخ ولمتعة الكتابة، الكون ليس بحاجة للمزيد من الكتاب ولا لمزيد من الكتب، ولا يفتقر إلى الأفكار ولكن ما سيجعلنا نكتب هو متعة المشاركة، وأن نجعل القاريء يكتشف نفسه وأن يفكر بنفسه وأن يستمتع ايضًا بما يقرأ.

أود أن أختم حديثنا عن ما تطمحين إليه في المستقبل؟

ما انتظره من الغد وأتمناه أن تُفتح الطرق أمام الشباب في كل المجالات بعيدًا عن الاحتكار والنجومية، الكون بحاجة إلى أفكار جديدة وطاقات مختلفة، دون هذا لن يتوسع الكون ولن نتمكن من الإستمرار لسنوات طويلة.

زر الذهاب إلى الأعلى