نادية صبره تكتب: تفاؤل حذر
منذ أسبوع انتهت جولة جديدة من المفاوضات للعودة للإتفاق النووي في فيينا، بين إيران من جهة، والولايات المتحدة والدول الكبرى من جهة أخرى، ولم تسفر عن توقيع إتفاق، ولكن الكل يسعى لنهاية مثمرة خلال ثلاثة أسابيع.
الجانب الإيراني متفائل جداً، أو هكذا يحاول أن يبدو، فقد صرح الرئيس الإيراني (حسن روحاني) قائلاً: (ربما نشهد إنفراجه لبلادنا مهمة تشمل عودة النمو والتنمية الإقتصادية)، ولكنه أشار أيضاً إلى وجود أطراف داخلية وخارجية تسعى لعرقلة التوصل إلى إتفاق.
إلا أنه في مقابل التفاؤل الإيراني هناك غموض وحذر في الموقف الأمريكي فأمريكا لا ترى الأمور بنفس المنظار ولا تود أن تبدو متعجلة للغاية أو قلقة للغاية لذلك صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي (جيك سوليفان) بأن هناك ثغرات عديدة يجب سدها قبل العودة المتبادلة للإتفاق النووي.
وبنظرة موضوعية لسير المفاوضات نجد أن تصريحات سولفيان سببها أن أمريكا هي الطرف الذي يُطلب منه أكبر تنازلات ولديها سياسات داخلية مناهضة للإتفاق وهناك ضغوط من مشرعين في الكونجرس على إدارة بايدن لإنهاء الحرب في اليمن وإنهاء دور وكلاء إيران في المنطقة… وبعضهم يشكك في جدوى المفاوضات.
إضافة إلى أنه مطلوب أيضاً من إدارة بايدن طمأنة إسرائيل ودول الخليج، لذا حاولت الإدارة الأمريكية استغلال أسبوع توقف المفاوضات وأرسلت وفدا أمريكيا رفيع المستوى (دبلوماسي وأمني) ليقوم بجولة في الشرق الأوسط تشمل الإمارات والأردن ومصر والسعودية يبحث فيها القضايا الإقليمية في هذه العواصم العربية الهامة كما سيستمع إلى المخاوف وما يمكن أن تقدمه واشنطن من ضمانات والتزامات حتى لا تكون الصفقة مع إيران على حساب حلفاء أمريكا..
وبالنسبة لإسرائيل فقد كشف موقع “أكسيوس” عن لقاء تم الجمعة الماضي بين الرئيس الأمريكي (جو بايدن) و (يوسي كوهين) رئيس الموساد الإسرائيلي والغريب أن هذا اللقاء لم يكن مجدولا ضمن الزيارات في البيت الأبيض.. حيث قال بايدن لكوهين إن واشنطن ليست على وشك العودة للاتفاق النووي مع إيران، وإن هناك طريق طويل أمامها.. وعلق (كوهين) بأنه من الخطأ العودة للإتفاق النووي دون تحسينه أولاً ، والحقيقة أنه لا جديد في كلام بايدن وكوهين فمن المعروف أن (بنيامين نتنياهو) رئيس الوزراء الإسرائيلي يعارض بقوة وما زال التوصل لإتفاق أمريكي إيراني لذا بادر بإرسال رئيس الموساد لواشنطن للإستفسار وطلب الإيضاح والمعلومات، وبالطبع لم يتم إعلان التفاصيل الدقيقة التي دارت في لقاء الرئيس الأمريكي مع رئيس الموساد، ولكن بصورة عامة هو عرض المعلومات الإستخبارتية الموجودة لدى إسرائيل بأن إيران تحاول تضليل العالم وتضليل أمريكا وأن لديها برنامج سري لتصنيع القنبلة النووية وبرغم تطمينات بايدن لإسرائيل إلا أنه من الواضح أنه يُمهد الأرض لإعلان ما.. فهو لم يخفي رغبته في العودة للإتفاقية رغم معارضة تل أبيب القوية ولكن من المستبعد حدوث صراع بينه وبين نتنياهو كما حدث سابقاً مع أوباما لأن وقوع خلاف كما وصفه رئيس الموساد سوف يسمم العلاقات وإسرائيل وأمريكا سيمنعان حدوث ذلك.
والآن وبعيداً عن ضجيج السياسة يعكف الخبراء في كلاً من واشنطن وطهران على دراسة التفاصيل الفنية وتقييم الموقف في فيينا، وكتابة مسودة نص الإتفاق المرتقب، فالقوى الكبرى تحاول التوصل لإتفاق قبل يوم الثاني والعشرين من مايو الجاري لأنه بحلول هذا التاريخ سينتهي العمل بالبروتوكول الإضافي بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا يعني أن إيران ستقوم بحرق كافة تسجيلات الأنشطة النووية، وبذلك سيكون هناك فراغ ثلاثة أشهر لن تعلم الوكالة ماذا حدث خلالها في البرنامج النووي الإيراني، فراغ آمني ومعلوماتي،.
ولا شك أن ترتيبات ما حدث في فيينا أدت إلى ارتياح عالمي، لكن كل المؤشرات تؤكد أن انعدام التوافق بين إيران وأمريكا هو السبب الرئيسي في عرقلة التوصل لإتفاق بسبب إصرار إيران على رفع العقوبات في سلة واحدة، خاصة العقوبات التي وضعها الرئيس السابق (دونالد ترامب) عقب إنسحابه من الإتفاق النووي وهذا صعب جداً على المستوى السياسي، لأن هناك عقوبات متعلقة بدعم إيران المنظمات الإرهابية كحزب الله والحوثيين، وعقوبات أخرى متعلقة بإنتهاكات حقوق الإنسان، وهي عقوبات تم فرضها بموافقة من الكونجرس الأمريكي، لذا، فإنه حتى لو أراد الرئيس (بايدن) إزالتها فإن الأمر ليس بهذه السهولة كما أن روسيا تريد إستغلال مفاوضات فيينا في التفاوض بينها وبين الولايات المتحدة.
ورغم أن الخبراء يروا أن المسار الوحيد لإتفاقية أفضل هو العودة لخطة العمل المشتركة التي ستمنح إيران وأمريكا الثقة المفقودة بينهما إلا أن الإدارة الأمريكية عاقدة العزم على إتفاق جديد، أقوى ويكون بديل عن خطة العمل الشاملة، ويشمل دعم إيران للإرهاب وإنتهاكاتها لحقوق الإنسان.
وعلى الرغم من أنه من المستحيل التوقع لأي عملية مفاوضات، خاصة وأن لا أمريكا ولا إيران لا يريدان أن يظهرا تنازلهما لكن هناك سؤال هام يجب طرحه وهو: هل ستبقى إيران متلزمة حتى لو أسفرت مفاوضات فيينا عن اتفاق؟ لأن حلم خامنئي كما صرح للمقربين منه هو إمتلاك قنبلة نووية لذلك حتى لو وقع (عباس عراقجي) أو (جواد ظريف) على الإتفاق سيكتشف بعد عامين أو ثلاثة أن إيران لديها مشروع سري لتخصيب اليورانيوم أقامته تحت الأرض فهي بلاد ذات طبيعة جبلية ومساحتها مليون و600 ألف كيلو متر.. لذلك فجميع الأطراف المشاركة في مفاوضات فيينا لديها تفاؤل كبير بإحتمالية التوقيع على إتفاق ولكنه تفاؤل حذر.