طارق متولى يكتب: « يوميات زومبى » (2)
هذا النهار استيقظت من النوم إنسان طبيعى، فقد نلت قسط من الراحة جيد جدا.
أخذت السيارة، وفى طريق الذهاب إلى عملى تفاعلت مع كل شىء فى الطريق، ويبدو أن اليقظة غير مطلوبة فى هذا العالم فقد خضت أكثر من مشاحنة مع قائدى السيارات الذين يقودون سياراتهم بطريقة عجيبة، ولا يلتزمون بأى قواعد منطقية.. أعتقد أننى كنت الشخص الطبيعى الوحيد فى هذا اليوم، لذا عانيت كثيرا فى التعامل مع الناس الذين يبدون انهم مبرمجين على الخطأ.
.. فى العمل كنت أتعامل بجدية ووضوح أكثر، واستمع جيدا وأجيب على أسئلة المدير إجابات جدية ومنطقية فأعتبرها نوع من التحدى، ولم يعجبه أسلوبى فى هذا اليوم، ولم بتباسط معى فى الحديث ويمزح كعادته.
وما كدت أجلس فى مكتبى أنجز بعض الأعمال على الكمبيوتر، حتى جاءنى اتصال من اختى سعاد: “ألحقنى ابنى ياسين عمل حادثة وهو فى المستشفى دلوقتى”.
استأذنت على الفور وتوجهت إليها فى المستشفى فى مصر الجديدة القريبة من سكنها.
وهناك علمت أن ابنها ياسين وهو طالب فى كلية الآداب، وولم يتبقى على انطلاق امتحاناته سوى يومين، وصدمته سيارة.
كانت أختى منهارة من البكاء حتى جاء الطبيب، وطمأننا، وأخبرنا أن الأمر مجرد كسر بسيط.
علمت من ياسين أنه كان يمر فى الشارع مع صديقه يوسف عندما صدمته سيارة مسرعة، وكنت أعرف يوسف الذي كان متواجدا فى المستشفى مع ياسين، فكثيرا ما جلست معه ومع ياسين، وكانا يحبان مجاراتى لهما فى الحديث، واستخدام مصطلحاتهم العجيبة ولغتهم الفريدة، وعدم إنتقادى لتصرفاتهم بشكل مباشر، فأكثر شىء يبعد أى شخص هو إنتقاد تصرفاته وأفعاله بشكل دائم ومباشر.
يوسف كان من عائلة ميسورة.. فوالده ووالدته يعملان فى الخليج ويوسف يقيم بمفرده فى شقة الأسرة فى مصر الجديدة ويرسل له أبويه كل أول شهر مبلغا كبيرا من المال لأجل مصاريف الدراسة، والبيت، ونفقاته الشخصية، أما هو فيعيش حياة مستهترة، يقضى كل النهار فى نادى هولوليدو القريب من ميدان روكسى، وفى المساء يسهر فى أماكن مختلفة، لديه سياره حديثة اشتراها له أبوه عند دخوله الجامعة، وكان يجمع حوله الأصدقاء فى النادى ومنهم ياسين.. لكن يوسف بمثابة الزعيم الذى يسيطر عليهم ويدفعهم للإنحراف بتعاطى مخدر الحشيش ومعاقرة الخمر على الرغم من أنه يدرس فى كلية الطب.
طالع المزيد| طارق متولى يكتب: يوميات زومبى (1)
انفردت بيوسف فى بهو الاستقبال نتجاذب أطراف الحديث وسألته عن تفاصيل الحادث، نظر لى على إستحياء وقال:
“أقول لك لكن لا تخبر طنط سعاد، وبعد وعد منى بعدم اخبار أحد حكى لى أنه كان يقود السيارة فى شارع الهرم (لاحظ أنه يسكن فى مصر الجديدة) وكان يعزف على الجيتار الذى يحب العزف عليه وهو يقود السيارة فى نفس الوقت، وياسين يجلس إلى جواره، يستمع لغنائه وعزفه.
وأضاف يوسف وسط دهشتى: “وفجأة.. لم أجد ياسين بجوارى فى السيارة ركنت على جنب لأستطلع الأمر فوجدته خلفى على مسافة بعيدة، وجمع من الناس فى وسط الشارع فعدت بالسيارة، ووجدت ياسين ملقى على الأرض والدم يسيل من وجهه والناس من حوله، فأخذته فى السيارة وذهبت به إلى المستشفى، وعندما سألته عما حدث، قال لى: أنه تخيل أن السيارة توقفت ففتح باب السيارة ونزل منها فحدث ما حدث”.
وزادت دهشتى لما عرفت أنه أخذه وهو مصاب من الهرم إلى مستشفى فى مصر الجديدة، ووجدتنى أحوقل: “لا حول ولا قوة الا بالله” وسألته: ولماذا ذهبتم إلى الهرم أصلا؟!!.. ولماذا لم تذهب لأقرب مستشفى هناك؟!.. صمت لحظة وارتسمت على وجهه ابتسامة بلهاء ثم قال: “كنا بنتمشى بالعربية وقلنا نزور الأهرامات”.
وبعد لحظات دخل علينا مجموعة من أصدقاء يوسف الأشباح بملابسهم الغريبة الذين أتوا لما علموا بالحادث تركتهم وعدت إلى سعاد، لم أخبرها طبعا فهى أصلا لاتحب يوسف وكثيرا ما طلبت من أبنها ياسين الإبتعاد عنه وعدم مصاحبته فقد كانت تشعر بالفطرة أن يوسف شخص سىء، لكن ياسين على عكس أمه كان يرى يوسف صديق عمره الذى يحبه ويسأل عنه دائما ويشاركه مغامراته يبدو أن اصدقاء السوء لديهم كاريزما خاصة بهم تجذب الأصدقاء إليهم وأنهم يهتمون جيدا بأصدقاءهم أكثر من الأصدقاء الصالحين .
أتت اختى مايسة وأخى فريد للإطمئنان على ياسين بعد فترة أخذنا ياسين إلى المنزل بعد أن وضعوا ذراعه فى جبيرة، وتركتهم وعدت إلى المنزل بعد وقت عاصف وإنهاك عصبى وجسدى.
بعد أن استرحت قليلا، وتناولت بعض الطعام تذكرت روضة و “طنط” إيناس فطلبتها لأعبر لها عن أسفى واعتذارى على ماحدث فى اليوم السابق فوجدتها متفهة وغير غاضبة ويبدو أنها اعجبت بشخصية الزومبى التى قابلتها بها فطال الحديث بيننا .
حدثتها عن حياتى وعن اهتماماتى وهى لا شىء تقريبا سوى شرب القهوة وسماع الموسيقى، فأنا ليس لى اهتمامات كبيرة فى الحقيقة لا اهتم لا بالسياسة ولا بالكرة ولا بالمسلسلات هذه الأشياء التى تشغل غالبية الحديث بين الناس واتفقنا انا وهى أن نلتقى بعيدا عن العائلة والبيت لنتعرف على بعض أكثر.
.. والآن سوف اذهب للنوم، وأرجو أن أوفق هذه الليلة – أيضا – وأنام جيدا.