أسماء خليل تكتب: أمهات اليوم و «جُب يوسف»
ما أسوء أن يُكمل المرء كل مهامه على أكمل وجه دون تقدير!!.. وما أقبح أن يستهين الآخرون بما يُقدمه أحدهم وكأن فعله لم يكن!!.. تُرى لماذا يُقلل العالم وأمهات الماضي مما تبذله أمهات الحاضر من معاناة؟!.
إن المجتمع على الدوام يحمل في ثنايا عقله بعض الفِكَر والآراء المغلوطة، من بينها فكرة المقارنة الدائمة بين أمهات الحاضر والماضي.. وبشكلٍ مستمر يوجه الرجال بل وبعض النساء – من الزمن المُنصرم أو الحاضر- للمرأة اليوم أنها امرأة مدللة لديها الأجهزة الحديثة، وأنها نالت حظها من الترفيه أكثر من السابق،،
إذا سلمنا جدلًا لتلك الآراء خشية الاصطدام بتعنت بعض العقول.. فهيا بنا نعقد مقارنةً بين تلك الأم من الأزمنة الماضية وأم اليوم..
طالع المزيد| أسماء خليل تكتب: مِهنٌ لا تقبل الاستقالة!!
أسماء خليل تكتب: تليفزيون لكل مواطن
الأم سابقًا كانت تقوم بكل أعمال المنزل وبدون أجهزة حديثة وتعجن وتخبز وتغسل وتنظف البيت، والبيوت ما أبسطها كلها “كنب وحصر”.. وما تطهوه من طعام يأكله الجميع وهم في رضا.. ثم تستريح بعد ذلك العناء وهي مرتاحة البال وقد أخذت قسطًا من نور الشمس وتناولت بعض الغذاء الذي،رغم بساطته إلا أنه صحيًّا أكثر..
ولكن أين أولادها؟!.. إنها إن أطلقتهم بالشارع لا تخاف عليهم.. إن تركتهم عند جارتها أمِنَت في مخدعها.. إنهم يقومون بواجباتهم بمفردهم.. إنها لا تشغل بالها بزرع القيم داخلهم.. فالقيم يقوم بغرسها معها كل المجتمع، المتمثل في العم والخال والجد والجدة والمدرسة والمعلم وربما بائع الحلوى!!..
ولكن الآن.. لنلقى الضوء على الأم القابعة في أي ركنٍ من أركان العصر الحديث؛ إن لديها بيوتًا مكدسة بالأجهزة الحديثة ولكن لديها أعباءًا كثيرة جدًا.. إلَّم يكن لديها عجن وخبز؛ فلديها “سجاد وستائر” وأتربة تعلق بكل شيء إن تركتها يومًا واحدًا، وسُلَّم وأرضيات وجدران لابد أن تكون لامعة دائمًا.. وزوج وأولاد متطلباتهم من أصناف الأطعمة لا تنتهي، لابد أن تتفنن وتجتهد كي تضاهي تلك المطاعم التي ملأت الكون؛ حتى تجذبهم لتناول الطعام الصحي..
وأين أولادها؟!.. إنَّ “جب يوسف” بانتظار أولادها بكل مكان؛ إن تركتهم بالشارع خافت عليهم..إن أودعتهم بالنادي أو إحدى الأماكن الترفيهية لم تأمن ما يحدث لهم.. تساورها المخاوف على فلزات كبدها، حتى من أقرب المقربين؛ فما برحنا سماعًا لكثير من الجرائم الأسرية التي يكون مرتكبها ربما الخال أو العم!!..
إذا ساروا مع أي صديق خافت عليهم.. في تعاملهم مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة يصيبها الزعر خشية أن ينضموا لأي جماعات أو تنتقل إليهم أي ثقافات تؤثر على مستقبلهم..وبالطبع نحن في غنى أن نتحدث عن أعباء مذاكرة الأولاد.. وما أدراكم كيف تكون المذاكرة للأولاد!!. بالإضافة إلى الجانب العصري والحصري بزماننا هذا وهو مراعاة نفسية الأبناء في كل تصرف؛ فأي اختلال تربوي بسيط جدا يصيبهم – الآن – باعتلالات نفسية، فضلا عن ضرورة مُلاحقتهم دونما يشعرون، لما لديهم من قدر هائل من العند والزخم الفكري الذي لن تستطيع الأم مواجهتهم، إذا اصطدمت معهم فكريًّا.
وعلى جانب آخر، إن أم اليوم هي المرأة التي طالبت بحقوقها فكافأها المجتمع بالذهاب للعمل..وعاقبها الرجل بتجاهل أنوثتها..إنها الأم التي تستقي كل يوم آشعة الشمس الضارة والطعام الملوث..
إنها الأم الأقل صحة.. المُتحملة للنقد بشكل دائم من الأزواج وكبار السن الذين يوجهون لها لومًا دائمًا، و يعقدون مقارنة في كل لحظة من حياتها، بينها وبين الأم القابعة في الأزمة المنصرمة..
إنها الأم التي تواجه تحديات المجتمع بكل صلابة ومازالت تتحمل..إنها الأم المظلومة من الرجل الذي ما برحت تلك الكلمات لا تغادر لسانه أو لسان حاله : أن ماذا تفعلين في يومك؟!
أيها المجتمع.. رحمةً بها فإنها من صلبك ورحمك.. بل إنها الحياة..