حكام وملوك غرباء أحبوا مصر ونهضوا بها.. «حالة انتماء»
كتبت: أسماء خليل
“الانتماء” حالة لا تشبه أي شعور يسري في كيان أي مواطن؛ هو عشق.. حب.. افتقاد وقت الارتحال..التحلِّي بانتسابك لبلدك دون الرغبة في التخلِّي.. إلخ، لقد احتار العلماء في إيجاد وصفًا دقيقًا لتلك الكلمة، وأسمى ما يمكن قوله وربما يستشعره كل امرئٍ، أنه الشعور الذي يدفعك بأن تقدم “دمك” فداءًا لوطنك!!.. عن أي حب يتحدثون!.
ما يستدعي التعجب حقًّا ويجعلك في حَيْرَة من أمرك؛ هو أن يحكم ابنٌ وطنًا وهو ليس من رحمه، وليس ابنا شرعيًّا لتك الأرض-على أضعف الإيمان-ولكنه بعيدًا كل البعد والصلة عن ذلك الوطن، وربما كان منشأه أقاصي الأرض أو مجاهل إفريقيا!.. وليس هناك أشد عجبًا من أن تعلم أنَّ النسر الأصفر الذهبي الذي يتوسط العلم المصري، مأخوذ عن نسر “صلاح الدين الأيوبي”، حيث يرمز للعراقة والحضارة والقوة؛ ولم يكن الرجل مصريًّا!!.
طالع المزيد| أسماء خليل تكتب: أمهات اليوم و «جُب يوسف»
هناك ملوك وحُكَّام عشقوا مصر وعاشوا في كنفها مُعمرين ناهضين، وربما لم يبتغوا أجرًا سوى “الانتماء” ولو انتسابًا لمصر وشعبها، ومن بين هؤلاء الحُكَّام..
“المُعز لدين الله الفاطمي”
ما برحنا في تلك الألفية و“الأزهر الشريف”، محتفظٌ بمكانته الرفيعة بين كل دول العالم، ذلك الصرح العتيد قام ببنائه الحاكم المخلص الجزائري المنشأ،المعز أبوتميم معد بن منصور العبيدي، رابع الخلفاء الفاطميين.
هو من أنشأ “القاهرة” عاصمة جمهورية مصر العربية، ومازال اسمها – حتى الآن – بذلك الاسم، لقد أقام تطورًا ونهضةً في جميع النواحي العلمية والثقافية والاقتصادية، ويُعد عهده من أزهي الحِقب التي مرت بها البلاد.
لاشك أنَّ لكل حاكم مر علي مصر أطماعًا في مد وبسط النفوذ؛ ولكن هناك من يسيء للشعب ويفرض عليه الضرائب الباهظة ويقوم بتوسيع الفجوة بين طبقة الحكام والمحكومين، وهو بطريقه للوصول.
“على بك الكبير”
لا أحد يعلم الموطن الأصلي لعلي بك الكبير، فهو مجهول الهوية ولكنه أتى مع المماليك إلى مصر من مجهولي الأصل، ولكن ما يعلمه الجميع أنه من أعظم الشخصيات التي حكمت مصر.. تمثل حياته رحلة صعود؛ حيث كان بسيطًا يتدرب في الجيوش المملوكية كأي فرد، ولكنه بالعزم والإرادة والخضوع للتدريبات العسكرية الصارمة؛ استطاع الوصول لمكانة مرتفعة بالجيش.
فاق بالذكاء والمهارة شيخ العرب همام، وأصبح هو شيخ البلد ومن هنا بدأت رحلته في النهوض بمصر، وإحكام قبضته على كل البلاد بوجهيها البحري والقبلي.
“صلاح الدين الأيوبي”
هل تعلم أنَّ تخليد اسم صلاح الدين الأيوبي، يعود لأعظم عمل قام به في تاريخ الدولة المصرية؛ وهو منع الصليبيين من احتلال مصر، ولم يكن مصريًّا لقد وُلِد في تكريت بالعراق، وقام بتأسيس الدولة الأيوبية في مصر والشام، وحرر القدس من أيدي الصليبيين في موقعة حطين.
عندما علم الصليبيين بقدوم صلاح الدين، فروا تاركين مصر؛ خوفًا من قوته وفتكه بأعدائه، وبذلك استطاع أن يقضي على خطر الصليبيين الذي يهدد مصر، كما استطاع التغلب على الفتن الداخلية.
“محمد علي باشا”
إنجازات وإنشاءات ومستشفيات ومدارس.. بعثات وجامعات وجيوش.. نهضة على كل المستويات رغم كل الأقاويل السلبية التي قيلت في حق ذلك الرجل؛ إلَّا أنه سيظل “أبا النهضة الحديثة”..
اهتم بالزراعة والري وإنشاء الترع والجسور، قام بتقسيم الأراضي الزراعية تبعًا للمحاصيل، أنشأ جامعات أصبحت – حتى الآن – هديًا للأجيال اللاحقة، مثل مدرسة المهندس خانة ومدرسة القصر العيني… إلخ.
لقد شهد عصر محمد علي الكثير من النجاحات الصناعية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولم يكن مصريًّا بل ألباني الأصل!.
“السلطان قطز”
ماذا تشعر حينما تسمع اسم قائد التتار “هولاكو”، أو قائد المغول“كتبغا” ؟!.. حقًّا مجرد سماع اسم المغول وهولاكو مدعاة للخوف، لقد هزمهم السلطان قطز، وحمى مصر من كل تلك المخاطر المُحققة التي كادت أن تفتك بمصر وشعبها، في معركة “عين جالوت”، وأيضًا لم يكن مصريًّا.
وأخيرًا
كما أن هناك زعماء وأباطرة حكموا مصر – من الغرباء – وأساءوا لها ولشعبها، ومرَّروا حياتهم وجعلوهم يتركوا أراضيهم بسبب الضرائب، فعلى سبيل المثال قام الإمبراطور “دقلديانوس” – في أحد العصور- بقتل الأقباط جميعهم بالإسكندرية وحرق الكتب المقدسة وهدم دور العبادة..
وعلى التوازي، قام الامبراطور “قسطنطين الأول”، و القائد “عمرو بن العاص” كل منهما بفتح مصر واحترام عقائد المصريين، بل قام قسطنطين بتقديم القرابين إلى آلهة المصريين – في ذلك العهد- وأعلا من شأن المصريين أصحاب الأرض وأحسن معاملتهم؛ فأحبوه.