طارق متولى يكتب: «يوميات زومبى» (4)
هذا الصباح وصلت المكتب مبكرا قبل مواعيد العمل الرسمية بنحو نصف ساعة، وجدت الساعى عماد يقوم بتنظيف المكاتب.
عماد شاب بسيط من الأرياف يبيت فى مقر الشركة حيث أنه يعيش بمفرده فى القاهرة ولا يكفى مرتبه لكى يستأجر شقة أو غرفة يعيش فيها، وهو يكافح من أجل لقمة العيش.
وقابلت أيضا سكرتير المكتب جمال المسؤول عن المراسلات وتجهيز الأوراق والملفات، وهو شاب مستهتر ضاقت به الأحوال بعدما عاش سنوات الدراسة فى اللهو والمغامرات، وإدمان المخدرات حتى فشل فى الحصول على اى مؤهل أو حتى تعلم أى حرفة فلم يجد غير هذه الوظيفة البسيطة التى بالطبع لا تكفى تطلعاته وإحتياجاته، لكنه رغم هذا يتمتع بمظهر جيد وروح مرحة خبير فى لغة الشارع وتعاملات الشارع.
ومن جانبى فأنا أشفق على عماد، وانصحه وأساعده بعض الأحيان بالقليل من المال.
بعد أن توافد بقية الزملاء والمدير الذى أتى إلى المكتب فى تمام التاسعة، وابتسم عندما رآنى وقد حضرت قبله، دعانا جميعا لاجتماع فى مكتبه للحديث عن خطة وسير العمل وكنا مقبلين على المشاركة فى أحد المعارض العقارية الكبرى بعد أيام.
اثناء الإجتماع دخل جمال واستأذن من المدير فى مغادرة المكتب لأمر طارىء’ فأذن له.
بعد حوالى خمسة واربعون دقيقة انتهى الإجتماع وخرجنا جميعا كل إلى مكتبه لكن فوجىء جميع الموظفين باختفاء هواتفهم المحمولة، والتى تركها الزملاء على مكاتبهم أثناء الاجتماع، وكنت أنا الوحيد الذى وجدت هاتفى فى مكانه.
رحنا نبحث عن الهواتف فى كل مكان وسألنا الساعى الذى كان مشغولا بعمل المشروبات فى المطبخ إذا كان أحد دخل الشركة فقال إنه لم ير أحدا، فحامت الشبهات كلها حول جمال سكرتير المكتب خصوصا بسبب استئذانه لمغادرة المكتب فجأة ونحن فى الأجتماع.
…………………………………………………………………………………………………………………………………………………
طالع المزيد| طارق متولى يكتب: يوميات زومبى (1)
د.قاسم المحبشى يكتب: من قلب الظلام إلى ذاكرة الرحيل
اللواء الدكتور سمير فرج يفتح قلبه وعقله لـ «بيان»: حوار الرئيس وسام وتكريمه أسعدنى كثيرا
…………………………………………………………………………………………………………………………………………………
اتصل به مدير المكتب فقال له أنه مع والدته فى المستشفى، فأخبره باختفاء هواتف الموظفين فنفى أن يكون رآها أو رأى أحد يدخل الشركة وكأن الهواتف تبخرت. توجه بعض الزملاء لعمل محاضر فى قسم البوليس، وكانت الهواتف كلها مغلقة، وفى القسم طلبوا الذهاب لمباحث التليفونات لاستكمال الإجراءات، فى صباح اليوم التالى انتظر مدير الشركة لمواجهة جمال واستجوابه.
وتعجب الجميع من عدم اختفاء هاتفى، وقلت فى نفسى: ” هل هى مصادفة أم أن جمال هو من فعلها وترك هاتفى لأننى احسن إليه وأساعده؟!.. لعل الحقيقة تظهر غدا”.
بعد انتهاء العمل ذهبت لأقابل أخى فريد المحامى ونتناول الغذاء سويا وبينما كنت انتظره فى سيارتى فى أحد الشوارع الرئيسية حيث مقر عمله، فوجئت بفتاة جميلة تحاول فتح باب السيارة المقابل لناحيتى ولحسن الحظ أن باب السيارة كان مغلقا من الداخل، وكذلك زجاج الباب.
خفضت زجاج باب السيارة قليلا وسألتها ماذا تريد؟
قالت: “أنا افتكرت أنك واقف علشانى!”.
فقلت: “لا فى الحقيقة أنا أنتظر أخى”..
فبدا عليها الإحراج المصطنع وقالت: “طيب ممكن أجلس معك فى السيارة لمدة دقائق لوجود سائق سيارة أخرى بالخلف، يحاول التحرش بى ويريد أن أركب معه؟!”.
فنظرت فى مرآة السيارة فوجدت بالفعل سيارة خلفى تعطى إشارات انتظار، وتذكرت على الفور كل حوادث السرقة والنصب والخطف التى يتعرض لها بعض سائقى السيارات، فاعتذرت لها ورفعت زجاج السيارة وأغلقته، ففوجئت بها تمشى باتجاه السيارة التى خلفى تركب فيها وتنطلق السيارة بها بعيدا .
حدث هذا فى وضح النهار، والساعة لم تتعد الرابعة والنصف عصرا، ويبدو أن هناك أنواع من الزومبى لا أعرفها تعيش بيننا بنفس اشكالنا وملابسنا وتتكلم مثل كلامنا، ولايعلم حقيقتها إلا الله.
أتى فريد وانطلقنا إلى أحد المطاعم التى اعتدنا تناول الطعام فيه منذ مدة ليست قليلة، وأخبرته بقصة الفتاة فضحك، وعلق قائلا: “هذا كثير فى الشارع حيث تقف السيارات لتلتقط بعض الفتيات بائعى المتعة مقابل المال وأحيانا تكون عصابات يسرقون الفريسة والسيارة ويتخلصون من صاحبها”.
وأثناء تناول الطعام حكى فريد عن أحد القضايا التى عرضت عليه ورفضها، وكان مطلوبا منه الدفاع عن سائق سيارة خاصة يعمل لدى عائلة ثرية، وكان من مهام عمله توصيل ابنهم طالب الثانوى الصغير للمدرسة وإعادته للمنزل كل يوم، فما كان منه إلا أن سلط عليه فى يوم زوجته الشابة الجميلة لتوقعه فى الخطيئة وقام بتصويره، وراح يهدده بالفضيحة أمام والده رجل الأعمال ووالدته المديرة الكبيرة بأحد البنوك فما كان من الشاب إلا أن خضع له وأصبح يسرق المال من أسرته والمجوهرات والذهب الخاص بوالدته ليعطيها للسائق، ويواصل الذهاب الى منزله ويقضى وقت ممتع مع زوجته حتى وصل قيمة ما أعطاه للسائق مايقرب من مليون ونصف من الجنيهات، قبل أن يكتشف والده الأمر، ويجبر ابنه على الاعتراف بكل شىء بعدها أبلغ الشرطة التى ألقت القبض على السائق وزوجته وحبستهم على ذمة القضية.
كان فريد يحكى وانا لا أكاد أصدق وأنا استمع، ولولا أن فريد رأى محاضر النيابة والبوليس لظننتها قصة من نسج الخيال، وسألت نفسى مجددا: “هل هذه كائنات بشرية طبيعية أم انها اتت من عالم آخر موازى لعالمنا؟!”.
أوصلت أخى فريد إلى منزله ثم عدت إلى المنزل وأنا أفكر فى كل هذه الأحداث الغريبة ثم خلدت إلى النوم مبكرا، كى استعيد طاقتى لمواصلة هذه الحياة المليئة بالكائنات “الزومبى” العجيبة .
وإلى لقاء قريب إن شاء الله.