خلايا «هيلا HeLa» التى غيّرت وجه الطب.. كانت لامرأة زنجية توفيت بسرطان الرحم

- هنرييتا لاكس مريضة توفيت بعد استئصال خلايا السرطان في 4 أكتوبر 1951 - تم اشتقاق الخط من خلايا سرطان عنق الرحم المأخوذة في 8 فبراير 1951 - هذه السلالة من الخلايا البشرية الأقدم والأكثر استخدامًا - اكتشف المختصون في مستشفى باليتمور بماريلاند أن خلايا السيدة لاكس قوية وسريعة التكاثر بشكل ملحوظ ما أدى إلى استخدامها على نطاق واسع في البحث العلمي - أكثر من ٧٥ ألف دراسة منشورة استخدمت الخلايا «هيلا HeLa ».

الدكتور محمد إبراهيم بسيونى      سردية يكتبها: د. محمد ابراهيم بسيوني

هنريتا لاكس، امرأة توفيت مبكراً، لكنها ما تزال حيّة بطرق عديدة، تساهم كل يوم بطريقة مختلفة بإنقاذ وتغيير حياة كثيرين، وقد تم إنتاج فيلم عن قصتها عام ٢٠١٧، فمن تكون هذه المرأة.

هنريتا لاكس، امرأة أميركية توفيت بسرطان عنق الرحم في أكتوبر ١٩٥١ عن عمر ٣١ عاما بعد ثمانية أشهر فقط من تشخيص إصابتها.

الحرفان الأولان من اسمها ومن اسم عائلتها HeLa هو اسم لأشهر الخلايا التي نستخدمها في الأبحاث والتي غيرت جذريا في الطب الحديث.

 دون موافقتها 

كانت هنريتا امرأة أميركية من أصول أفريقية، وعلى اثر ملاحظتها لورم في بطنها ولنزيف، توجهت إلى مستشفى جون هوبكينز في يناير ١٩٥١، المستشفى الوحيد الذي كان يستقبل أصحاب البشرة السوداء في ذلك الوقت، وبعد فحصها تم اكتشاف ورم في عنق الرحم، وأظهرت زراعته أنه شرس جداً.

تلقت هنريتا علاجاً اشعاعياً ثم عادت في أغسطس إلى المستشفى وتوفيت فيه بعد شهرين فقط، وأظهر التشريح أن السرطان كان منتشراً في أماكن عدة من جسدها، وتم أخذ عينات من ورم هنريتا مرتين، بلا موافقتها، وأغلب الاعتقاد أن الأمر مرتبط بعنصرية تجاهها كامرأة سوداء.

منذ ذلك الحين، عادت قصتها مرات كثيرة إلى الضوء، عبر عائلتها، وعبر الإعلام والصحافة، وأخيراً عبر منظمة الصحة العالمية، وهذه المرأة برغم عمرها القصير غيرت حياة الملايين.

يذهب البعض للقول أن غالبية الناس استفادت بشكل مباشر أو غير مباشر من الخلايا HeLa دون أن تعرف هذا.

طالع المزيد|  أستاذ بطب المنيا: فيروس كورونا سيصبح متوطناً «Endemic» ينتشر بمعدلات ثابتة

كيف تحدث تحورات فيروس كورونا ؟.. أستاذ بكلية طب المنيا يُجيب

البالطو الأبيض يواصل تضحياته.. نقابة الأطباء تنعى هالة محمد شهيدة كورونا

السؤال: لماذا دخلت خلايا هنريتا تحديداً التاريخ العلمي والطبي من بابه العريض؟!

الإجابة: عندما تم زرع خلايا HeLa لم يكن البحث على الخلايا البشرية جديداً، وكان من الصعب جداً الحفاظ على سلالة من الخلايا حيّة “Cell line”.

كانت الخلايا تموت بسرعة وكان العلماء يقومون بتجارب تحاول إبقاء الخلايا على قيد الحياة، أكثر من إجراء الأبحاث على الخلايا نفسها.

  السلالة الخلوية.. وأهمية العمل عليها 

حين نقول سلالة خلايا نقصد جميع أجيال الخلايا المنتجة من خلية ما، ويسمح العمل على السلالة الخلوية الحصول على نتائج دقيقة وإعادة إجراء التجارب في نفس الظروف لتأكيد النتائج، في حين أنه حين تموت كل خلايا سلالة ما، يجب البدء من الصفر من جديد.

تنمو وتنقسم

في وقت كانت الخلايا البشرية المزروعة تموت بعد عدد معين من الانقسمات، تصرفت خلايا هينريتا بطريقة مختلفة، كانت تنمو وتنقسم بلا توقف أو ما نصفه بـ “Immortal cells” وشكلت السلالة البشرية الأولى من الخلايا الـ”immortal”، المزروعة في المختبر (سلالة حيوانية كان قد طورها ويلتون ايرل قبل هذا بإحدى عشرة سنة).

بعد إضافة العناصر الغذائية اللازمة، كانت الخلايا HeLa تتضاعف في أقل من ٢٤ ساعة أي بسرعة هائلة، فأدرك العلماء سريعاً أنهم أمام خلايا مختلفة، نموها السريع والفعال بلا توقف سمح بتسريع وتيرة الدراسات، وبدأوا حينها بزراعة الخلايا على نطاق واسع فيما أصبح بعدها أول مختبر لزراعة الخلايا في العالم، وتم بعدها السماح بزراعتها حول العالم.

لا يوجد مختبر للأبحاث الحيوية في العالم اليوم لا يحتوي على هذه الخلايا، ولا باحث لم يستخدمها على الأقل مرة في حياته.

من أهم الابحاث التي سمحت بها هذه الخلايا تطوير لقاح شلل الأطفال في الخمسينيات، وإنقاذ حياة ملايين الاطفال، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف الأبحاث ابداً، من علاجات السرطان والأيدز، مروراً بالأبحاث على الخارطة الجينية البشرية، وصولاً الى أبحاث التلقيح الاصطناعي، وليس انتهاء بلقاحات كوفيد.

دراسة الخلايا

دراسة الخلايا HeLa سمحت بالتعرف على كل خفاياها، وسمحت بدورها بتطوير سلالات بشرية أخرى في المختبر.

أصبحنا مثلاً نستخدم سلالات أخرى تعرضت لانقسامات أقل لدراسة عمليات حيوية أكثر دقة مثلاً، إنما تبقى HeLa الخيار الأمثل للعمليات التي تتطلب كميات كبيرة من الخلايا كاللقاحات مثلا.

تخيلوا الدور الأساسي لهذه الخلايا في الطب الحديث والبحث العلمي، وتخيلوا أنه تم أخذها في حينها دون موافقة المريضة، ولا أهلها، بل وتم استخدامها بلا علمهم طيلة سنوات.

تخيلوا أكثر من هذا أن هذه الخلايا أصبحت جزءاً من أسواق بملايين الدولارات وأن عائلة هنريتا لم تحصل على دولار واحد منها، ولا حتى على أي تقدير معنوي، بدأت منذ حينها معركة العائلة، وأول مقال تحدث عن القضية كان عام ١٩٧٦ أكد فيه زوجها أنه تلقى اتصالا من المستشفى لأخذ موافقته لرفع عينات من جثة هينريتا، لكنه رفض.

عام ٢٠١٣، بعد معركة طويلة، وأكثر من فيلم وثائقي وكتاب واهتمام إعلامي بالقضية، تمكنت العائلة من الحصول على حق ذكر اسم هنريتا لاكس في كل المنشورات العلمية التي تستخدم خلايا هيلا HeLa وهو أقل ما ندين به لها.

هناك أيضاً اليوم منظمة هنريتا لاكس التي تقدم المساعدة للأشخاص الذين تم أخذ عيناتهم بلا موافقتهم. وساهمت قضية هنريتا لاكس فى تغيير الاهتمام بالجانب الاخلاقي في الأبحاث بشكل جذري، فلا يمكن اليوم أخذ أي عينة من أي مريض بلا موافقته ودون المرور بعملية قانونية معقدة.

الذكرى السبعين لوفاتها

في الذكرى السبعين لوفاتها، أثارت منظمة الصحة العالمية قصتها من جديد، واستضافت عائلتها لرواية حكايتها كما يرونها، للفت النظر الى ممارسات عنصرية كانت تتم في الوسط العلمي، وللتوعية ودعم لقاح (HPV) الذي يحمي من سرطان عنق الرحم الذي أودى بحياتها.

قبر هنريتا لاكس مزار للجميع
قبر هنريتا لاكس مزار للجميع

‎بالإضافة الى التوعية بأهمية الكشف المبكر لسرطان الثدي، يتجه الاهتمام اليوم الى أهمية التوعية ضد سرطان نسائي آخر هو سرطان عنق الرحم، وفى هذا الصدد تم اتخاذ خطوتان أساسيتان هما:

1-  التحصين باللقاح ضد فيروس الورم الحليمي البشري HPV، بين ١١ و١٤ سنة.

2- عمل مسحة عنق للرحم كل 3 إلى ٥ سنوات بين عمر ٢٥ عاما إلى ٦٤.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى