رشا ضاحى تكتب: رحلة مع أسماء الله الحسنى (25).. اللطيف
تمضي بنا رحلتنا مع أسماء الله الحسنى ونتحدث اليوم عن اسم من أسماء الجمال لله جل وعلا وهو اسم (اللطيف )
ورد اسم الله تعالى اللطيـــف سبع مرات في القرآن الكريم، منها قوله تعالى:
{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:103)
ولهذا الاسم معنيان عظيمان :
المعنى الأول: إن الله يعلم دقائق الأمور وخفاياها، وما في الضمائر والصدور.
قال السعدي شارحاً معنى هذا الاسم: “الذي لَطُفَ علمه حتى أدرك الخفايا، والخبايا، وما احتوت عليه الصدور، وما في الأراضي من خفايا البذور” .
المعنى الثاني: أن الله تعالى يحسن إلى عباده من حيث لا يحتسبون.
قال الزجاج: “وَهُوَ فِي وصف الله يُفِيد أَنه المحسن إِلَى عباده فِي خَفَاء وَستر من حَيْثُ لَا يعلمُونَ، ويسبب لَهُم أَسبَاب معيشتهم من حَيْثُ لَا يحتسبون” .
قال ابن القيم: “واسمه اللطيف يتضمن: علمه بالأشياء الدقيقة، وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية”
وغالبًا ما يقترن اسمُ الله (اللطيف) باسم الله (الخبير)، فقد جاء مقترنًا بالخبير في خمسةٍ مواضع، والسرُّ في ذلك أن اللطف (العلم بدقائق الأمور وغوامضها لا يحصلُ إلا بالخبرة، وكلما زادت الخبرة زاد العلم بما خفي؛ ذاك هو الله (اللطيف).
قال الشوكانى: “إن الله لطيفٌ لا تخفى عليه خافية، بل يصل علمه إلى كل خفيٍّ”
ومن لطف الله بعباده : أنه يقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم ، لا بحسب ما يريدون ، فقد يريدون شيئاً وغيره أصلح لهم ، فيقدر لهم الأصلح وإن كرهوه لطفاً بهم ، وبراً وإحساناً
﴿اللَّهُ لَطيفٌ بِعِبادِهِ يَرزُقُ مَن يَشاءُ وَهُوَ القَوِيُّ العَزيزُ﴾ (الشورى19)
ومن لطف الله تعالى بعبده: أنه ربما طمحت نفسه لسبب من الأسباب الدنيوية التي يظن فيها إدراك غايته ، ويعلم الله تعالى أنها تضره وتصده عما ينفعه ، فيحول بينه وبينها ، فيظل العبد كارهاً ولم يدر أن ربه قد لطف به حيث أبقى له الأمر النافع وصرف عنه الأمر الضار .
اقرأ أيضا للكاتبة:
رشا ضاحى تكتب: رحلة مع أسماء الله الحسنى (22).. الرؤوف
رشا ضاحى تكتب: رحلة مع أسماء الله الحسنى (23).. العزيز
رشا ضاحى تكتب: رحلة مع أسماء الله الحسنى (22).. الرؤوف
ولنا في قصة يوسف عليه السلام العبرة كيف يلطُفُ به الله عز وجل من حيث لا يعلم، ويسوق إليه نعمةَ التمكين في الأرض من حيث لا يحتسب،
فقد تواترت عليه محنٌ شتى:
محنة كيد إخوته.
ومحنة الجُبِّ والخوف.
ومحنة الرِّقِّ وهو يتنقل كالسلعة مِن يد إلى يد على غير إرادة منه.
ومحنة كيدِ امرأة العزيز والنسوة.
ومحنة السجن بعد رغد العيش في قصر العزيز.
قال تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيهِ عَلَى العَرشِ وَخَرّوا لَهُ سُجَّدًا وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأويلُ رُؤيايَ مِن قَبلُ قَد جَعَلَها رَبّي حَقًّا وَقَد أَحسَنَ بي إِذ أَخرَجَني مِنَ السِّجنِ وَجاءَ بِكُم مِنَ البَدوِ مِن بَعدِ أَن نَزَغَ الشَّيطانُ بَيني وَبَينَ إِخوَتي إِنَّ رَبّي لَطيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ العَليمُ الحَكيمُ﴾ (يوسف: 100).
فيوسف عليه السلام يُلخِّص محنته وابتلاءه وقصتَه في هذه الكلمة: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ﴾، أراد به الخير وهو لا يعلم، وأوصل إليه المصلحة والفضل وهو لا يحتسب.
ومن أثار الإيمان باسم الله اللطيف، أن تتلطَّف بالناس وتحنو على اليتامى والضعفاء والمساكين، وتسعَى للوفاق بين المتخاصمين، وتنتقي لطائف القول في حديثك مع الآخرين، وهذا اللطف يكافئك الله عليه بلطفٍ أعظمَ في الدنيا والآخرة قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أُخبِركم بمَن يحرُم على النار ومن تحرُم عليه النار؟ كل قريبٍ هيِّن سَهْل) .
كذلك الرضا بقضاء الله والتوكل عليه: لأنه تعالى أعلمُ بمصلحتِك مِن نفسك، فأنت لا ترى إلا تحت قدمَيْك، لكن الله تعالى يعلم دقائق الأمور وخفاياها وجميع زواياها.
قال أبو حامد الغزالي : “مَن عرَف خفيَّ لطفِ الله تعالى، رضِي بفعله على كل حال”.
وحتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه.