د. ناجح إبراهيم يكتب: تحية للإمام الحصري في ذكراه
كان فقيراً ومجتهداً ومحباً للقرآن، منحه الله مِنحاً لم يعطها أحداً في عصره، كان شيخنا لا يقطف شيئاً من ثمار حديقته إلا وأهدي لجاره المسيحي زكي بطرس منه، ما سبق اقتباسات من مقال، كتبه الدكتور ناجح ابراهيم فى الشيخ الحصري، رحمة الله عليه، أحد أشهر قراء القرآن الذكر الحكيم، المقال نشر فى “الشروق”، وهذا نصه:
• كان أبوه صالحاً فرأي عدة مرات أن ظهره قد تحول إلي عنقود عنب كبير يأكل منه الناس ويقولون بعدها:”الله..الله”شغلته الرؤيا فقيل له:سيكون من صلبك عالماً من علماء القرآن فلا يقال”الله”إلا للقرآن,اهتم بطفله الذي لم يجاوز العامين,وأوصي زوجته باستكمال طريقه مع القرآن عندما شعر بدنو أجله.
• كان فقيراً ومجتهداً ومحباً للقرآن,كان يسير 5 كم من قريته شبرا النملة إلي طنطا سيراً علي الإقدام ليوفر لأمه من مصروفه القليل.
• منحه الله مِنحاً لم يعطها أحداً في عصره وزمانه وتنزلت عليه جوائز السماء تترى,فإذا كان عثمان بن عفان قد حفظ القرآن مكتوباً بعد أن كاد أن يضيع,فإن شيخنا الرائع كان أول من حفظ الله به القرآن تلاوة وسماعاً ونطقاً.
• فالقرآن حفظ مرتين مرة بالصحابي الحيي الخلوق عثمان بن عفان ومرة بشيخنا الحصري الذي أراه يشبه عثمان بن عفان في الحياء والخلق والكرم والجود .
• فقد كان شيخنا لا يقطف شيئاً من ثمار حديقته إلا وأهدي لجاره المسيحي زكي بطرس منها، وكان يهدي كل زواره مصحفاً،أما الفقراء واليتامى فكان يضع لهم النقود الورقية داخل المصحف فلا يشعر أحد من الجالسين بصدقته مستناً بسنة الليث بن سعد الذي كان يضع الدنانير تحت المهلبية”الفالوذج”لطلابه الفقراء,فيأكلونها ويجدون الدنانير تحتها.
• وخصص شيخنا غرفه في فيلته للشيخ عبد الفتاح القاضي نائبه في لجنة تصحيح المصاحف لأنه كان من دمنهور.
• وكما رأي عثمان بن عفان الأمصار البعيدة تختلف علي القرآن فحفظه بنسخته الفريدة الرائعة , كذلك رأي شيخنا أن بلاد آسيا وأفريقيا تنطق الآيات خطأ فأصدر أول مصحف مرتل ومجود،ذهب قبله للعالم كله وعرف به العالم كله,ثم سجله بكل الروايات بعدها مثل ورش وحمزة وقالون , ولما سألوه في البلاد المختلفة عن أئمة القرآن هؤلاء,كتب عنهم كتاباً رائعاً.
• كان يسمي نفسه”خادم القرآن الكريم” وكان قمة في التواضع مع القرآن والناس.
• كان يحب الشجرة التي حفظ عندها القرآن وهو صغير في قريته فإذا عاد إلي قريته بعد أن بلغ العالمية في الشهره ينزل من سيارته عندها ويقف عندها أو يجلس ملياً,ويرفض أن يمر عليها راكباً,ومن تعظيمه لها اشتري هذه الأرض وبني عليها مسجده والمعهد الأزهري في “شبرا النملة” قريته.
• وهو أول من رتل وجود القرآن في الحرمين الشريفين في مكبرات الصوت,وهو الوحيد في التاريخ الذي سمح له ملك السعودية وقتها أن يقرأ في الحرمين الشريفين في أي وقت يصل إليهما .
• وكان شعاره الأثير”لا هم مع الله” ,وكان ينادي الفقراء والعمال بكلمة”عم فلان”ويعاقب أولاده إذا لم يفعلوا ذلك ,وحينما يلومه البعض في تبسطه مع الفقراء واليتامى يرد عليهم بالحديث الشريف”إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم”.
• وحينما كان يقرأ في المسجد النبوي يتفاعل مع القرآن تفاعلاً رائعاً وكأنه يتلقاه مباشرة من النبي أو من جبريل عليهما السلام.
• وهو أول من قرأ القرآن في الكونجرس الأمريكي حيث صفقوا له طويلاً,واحتفي به جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق وكان حكيماً وعاقلاً وليس مثل ترامب رئيس الابتزاز الأمريكي.
• وكان إذا طلب منه أحد البسطاء عباءته يخلعها ويعطيها له وكأنه يحاكي النبي “ص” في كرمه.
• وطلبت منه أمه يوماً رؤية شقيقته المتزوجة في آخر القرية في يوم ممطر عاصف فما كان منه إلا أن حملها علي كتفه وحمل الكلوب”مصباح قديم”بيده الأخرى إرضاءً لأمه وتلبية لرغبتها , وكان يخدم أمه بنفسه بعد أن كبرت حتى ماتت , ويساعدها في الاستحمام ويصفف لها شعرها , وهو الذي حمل هم أسرته كلهم وأكرم وفادتهم.
• وهو أول من طاف العالم كله ليسمعهم القرآن,وهو أول من قرأه في روسيا حتي أبكي الناس هناك الذين طحنتهم الشيوعية وقهرتهم بإلحادها , فإذا بروسي يقبل عليه مسرعاً والشيخ لا يفهم ما يريد حتي قال له المترجم:إنه يريد تقبيل هذا اللسان الذي تحرك بهذا القرآن الجميل,وذلك من شدة وجد الرجل وعاطفته.
• وحينما تأملت حياة الشيخ الحصري وجدت تشابهاً كبيراً في فكره وحياته مع الصحابي الجليل عثمان بن عفان فقد اجتمعا في حفظ القرآن والكرم والحياء وصلة الرحم وبر والدته .
• , وإذا كان عثمان بن عفان قد ترك لفقراء المسلمين بئر رومة كحسنة جارية بعد أن اشتراها بحر ماله ووهبها للمسلمين ، ثم جاء بعض الأوباش في آخر حياة عثمان بن عفان رمز الكرم والحياء فحاصروه ومنعوه من أن يصلى في المسجد النبوي الذي وسعه بحر ماله أو أن يشرب من بئر رومة التى أهداها للمسلمين.
• كما أن هناك تشابهاً كبيراً بين خصال الشيخ الحصري والليث بن سعد أعظم علماء مصر سواء في حسن المظهر والعطر وطريقة الاهداء للفقراء أو رعاية التلاميذ والتواضع معهم .
• الليث بن سعد كان أسطورة فقيهة ولكن مصر كعادتها لم تهتم بفقهه رغم أنه كان أفقه من مالك , وكذلك لا تهتم اليوم بالشيخ الحصري الذي طاف الدنيا كلها بعلمه وفضله وصومه .
• رحم الله الشيخ الحصري الذي جمع خصالاً لم تجتمع لقارئ حيث كان قارئاً وعالماً بالقراءات وعلوم القرآن ومقرئاً ومحفظاً, ولعل المشروعات الخيرية التي أقامتها أسرته الفاضلة من بعده تعد أثراً لبركاته وصلته العميقة بالله سبحانه.
• سلام على الشيخ الحصري في العالمين وسلام على أهل القرآن في كل زمان.
• هذا المقال بمناسبة مرور إحدى وأربعين عاماً علي وفاة هذا العالم الرباني الزاهد الورع المحسن الكبير الإمام محمود خليل الحصري رحمه الله رحمة واسعة والذي بقي ذكره حياً حتى الآن في تسجيلاته وأعماله الخيرية الخالدة التي تدأب عليها أسرته عامة والحاجة ياسمين الحصري خاصة.