رشا ضاحى تكتب: رحلة مع أسماء الله الحسنى.. (27) الوكيل

تتواصل رحلتنا مع أسماء الله الحسنى ونتحدث اليوم عن اسم الله الوكيل

وقد ورد اسم الوكيل في القرآن الكريم أربع عشرة مرة، ومنها قوله سبحانه وتعالى :

﴿قالَ ذلِكَ بَيني وَبَينَكَ أَيَّمَا الأَجَلَينِ قَضَيتُ فَلا عُدوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقولُ وَكيلٌ﴾ ( القصص 28 )

كذلك ورد في السُّنَّة النبوية عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قال: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ حِينَ قَالُوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.

و المعنى اللغوي لاسم الوكيل هو من وَكَلَ إليه الأمر وكالة أي ترك له الأمر وسلمه إليه

أما المعنى في حق الله عز وجل، فقال عنه الشيخ السعدي: الوكيل المتولي لتدبير خلقه بعلمه وكمال قدرته وشمول حكمته، والذي تولى أولياءه، فيسرهم لليسرى، وجنبهم العسرى، وكفاهم الأمور، فمن اتخذه وكيلاً كفاه.

وذكر الحليمي أن الوكيل: هو الموكَّل والمفوّض إليه، علما بأن الخلق والأمر له، لا يملك أحد من دونه شيئا.

ومن أعظم الأدعية التي يلجأ بها المؤمن إلى الله عز وجل هو دعاء (حسبنا الله ونعم الوكيل)، ومعنى هذا الدعاء:

 حسبنا الله : أي الله كافينا ، فالحسب هو الكافي أو الكفاية ، والمسلم يؤمن بأن الله عز وجل بقدرته وعظمته وجلاله يكفي العبد من كل ما أهمه وأصابه ، ويرد عنه بعظيم حوله كل خطر يخافه ، وكل عدو يسعى في النيل منه .

وأما معنى ( نعم الوكيل ) : أي أمدح من هو قيِّم على أمورنا ، وقائم على مصالحنا ، وكفيل بنا ، وهو الله عز وجل ، فهو أفضل وكيل ؛ لأن من توكل على الله كفاه ، ومن التجأ إليه سبحانه بصدق لم يخب ظنه ولا رجاؤه ، وهو عز وجل أعظم من يستحق الثناء والحمد والشكر ،

 لذلك كان هذا الدعاء من أعظم  الأدعية لأنه يتضمن حقيقة التوكل على الله عز وجل ، ومَن صَدَق في لجوئه إلى ربه سبحانه حقق له الكفاية المطلقة، الكفاية من شر الأعداء ، والكفاية من هموم الدنيا ونكدها ، والكفاية في كل موقف يقول العبد فيه هذه الكلمة يكتب الله عز وجل له بسببها ما يريده ، ويكتب له الكفاية من الحاجة إلى الناس ، فهي اعتراف بالفقر إلى الله ، وإعلان الاستغناء عما في أيدي الناس .

اقرأ ايضا:

وفي حديثنا عن التوكل نجد أنه درجات، قال  شيخ الصوفية علي الروذباري: التوكل ثلاث درجات، وعدها كالآتى:

الأولى: إذا أعطي شكر، وإذا مُنِع صبر.

والثانية: المنع والعطاء مستويان.

والثالثة: المنع مع الشكر أحب إليه، لعلمه باختيار الله ذلك له.

فالأولى يمكن أن نسميها (ترك الشكاية) وهي درجة الصبر، والثانية: (سكون القلب) وهو الرضا،

والثالثة: المحبة ،

ولا يستقيم التوكل بدون الأخذ بالأسباب ،

يقول ابن القيم: فالتوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب ويندفع بها المكروه، فمن أنكر الأسباب لم يستقم منه التوكل، ولكن من تمام التوكل عدم الركون إلى الأسباب، وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها، وحال بدنه قيامه بها.

ومن ثمرات التوكل على الله عز وجل، سكينة النفس، وطمأنينة القلب، التي يشعر بها المتوكل على ربه، ويحس بها تملأ أقطار نفسه،

ومن الثمرات أيضا الرضا، الذي ينشرح به الصدر، وينفتح له القلب.

قال أحد الصالحين متى رضيت بالله وكيلاً، وجدت إلى كل خير سبيلاً .

 إن التوكل على الوكيل سبحانه وتعالى يجعل العبد يعيش حياة طيبة قال ابن عقِيل : و الحَياة الطَيبة التَفويضُ إلى الله ، كالصبيّ حال التربيَة يفوضُ أمره إلى والدَيه، و يَثق بهما مُستريحا من كدر التَخيّير،

 فلا يتخير لنفسه مع تَفويضه لمن يَختار له.

وحتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه

زر الذهاب إلى الأعلى