أحمد عاطف آدم يكتب: “نوستاليجا” الزمن الجميل

“نوستاليجا” هو مصطلح يوناني قديم يعبر عن الحنين للماضي،(Nóstos) تعني رحلة العودة أما (álgos) تعني الألم والحزن، ففي القرن السابع عشر استخدم ذلك المصطلح لوصف الرغبة الشديدة لدى بعض الناس للعودة إلى ماضيهم.
وبرغم أن هذا المصطلح يعتبره علماء النفس كأحد دلائل بدايات الاكتئاب، لأنه يعبر عن حالة من الرفض للواقع المُعاش – إلا أن نتائج دراسة حديثة أجرتها جامعة “سري” الانجليزية أثبتت أن للنوستاليجا فوائد صحية منها شحن الدماغ بطاقة إيجابية تثير العواطف وتدعم الشعور بالانتماء والتفاؤل والرضا النفسي.
كما أنها ملهمة وتساهم في توليد الرغبة في الاستمرار بالعيش وخوض تجارب جديدة ومثيرة للفكر الإبداعي – وهذا لأن الماضي بالنسبة للإنسان هو فترة معلومة من حياته بها الكثير من الذكريات السعيدة ومجرد التفكير فيها يشعره بالأمان والراحة والسكينة مثل ما يحدث عند ممارسة التأمل أو رياضة “اليوجا”.
والحقيقة أنك ربما تتفق معي عزيزي القارئ بأن النوستاليجا أصبحت تستحوذ على مشاعرنا الآن أكثر من أي وقت مضى في ظل تراكم الضغوط الحياتية من جهة لاسيما جائحة “كورونا” البغيضة.
ومن جهة أخرى فإن العودة للزمن الجميل وتذكر مفرداته الرائعة من أماكن وأشخاص ومواقف هو في حد ذاته يظل متنفسًا للهروب من ظروف اختلفت كثيرا وأصبحت لا تروق لنا.
وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك نوستاليجا الأفلام والمسلسلات القديمة التى نجد فيها ضالتنا من قيم إنسانية انقرضت ومستويات إبداعية قدمتها أقلام كتابنا وأدبائنا العظام، لتحاكي أعمالهم رغباتنا المتجددة في العيش بين مجتمع يحترم الآخر ويعيش برقي وتحضر وتجرد، عكس ما تجسده معظم الأعمال الموجودة حاليا على الساحة الفنية بكل قوالبها وأشكالها المطروحة بالإكراه من تجار الانحدار.
وحتى لا يكون الحنين للماضي أو النوستاليجا هو مجرد شعور مرضي أجوف وأقرب لبوادر يأس واكتئاب يعيشه كل فرد بداخله فقط دون محاولة نقل أو استنساخ تجارب الآباء والأجداد للأجيال الآتية، يجب أن نستغل تلك الحالة المنعشة للذات ونسرد وقائعها وأحداثها الخالدة للأجيال، فندفعهم لمقارنات بين ما نقُصُّه عليهم من قصص اجتماعية قديمة وعادات جميلة ترجع لأزمنة لم يعيشوها وبين حاضرهم المعاصر.
وهم بكل تأكيد سوف يتأثروا في الوقت المناسب بنفس سحر النوستاليجا التي تُذكرنا بأصوات آبائنا وأمهاتنا الرنانة عندما كانوا يطالبونا بفعل كذا والابتعاد عن كذا وكذا، فلازلنا نبتسم لأنفسنا حتي الآن كلما تذكرناهم بالخير ونترحم عليهم، فقط هم كانوا حريصين بأن يكون لنا نصيبٌ فى أوقاتهم ليجتمعوا بنا ويؤثروا فينا ويأسرونا للأبد.

زر الذهاب إلى الأعلى