الربيع الرحيمة إسماعيل يكتب: ثلاثة دروس من ثلاثين كتابا!
«فن الحياة أن تعرف ما عليك تجاهله»
#أرسطو.
قد يبدو لك العنوان مبالغ فيه أو مريباً اليس كذلك!؟
لكن مهلاً! لن أدعك تشطح كثيراً بالتحليلات، فكل ما بالأمر أنني قرأت ثلاثون كتاباً لهذا العام و من بين تلك الدروس التي أفضتها من تلك الأوراق لم تروق سوى هذه الثلاث التالية، والتي قد تبدو غير مترابطة المفاهيم أو التوجه، لكن ومنذ متى كان للقراءة مساراً محدد و توجيه خطي ؟؟!!!
فنحن ولأننا نقرأ لكي نتحرر، كان من باب أولى أن نمارس العملية نفسها بذات التحرر والفوضى.
هيّا…. إذاً.
1- أفسح مساحةً للون الرمادي!
في آلية الحكم على الأمور وتقييمها كنت قد آثرت النظر بلونين فقط ، فإما أسود أو أبيض.
ظللت أسير تلك الثنائية اللونية في الحكم على الأشياء حتى حين قريب، ثم لم ألبث أن أدركت أن ثمة لون أخر يطفو على السطح وبدرجات متفاوتة، فإما رمادي غامق، أو فاتح قليلاً، وكلاهما يمكن أن يمثلان الحال و الحدث بصورة ما أو بغيرها.
بذاگ الإستدراك وجدتني أتجاوز تلك الازدواجية البسيطة، لأشرع مساحات أوسع لذاك الوافد الجديد، وأتخلص رويداً رويداً من السوداوية المضللة في محاكمة الأمور، والتفاؤل الأعمى في تضمينها.
أن تفسح مساحةً للون الرمادي يعني مزيداً من التحرر من سطوة تلك الثنائية الذهنية التي كم افسدت علينا الكثير من الأحكام.
2- في العائد المركب—- Compound Effet!
لو أنني اقتبست الحديث النبوي القائل: “قليلٌ دائم خير من كثير منقطع”.. دعني أضيف بُعداً ورؤية مختلفة للحديث، إذ لا يوجد ديمومة للقليل مع إستمرارية النشاط لأن القليل يغدو كثيراً، وسأوضح ذلك بضرب مثال بسيط :
لنفترض أنك قررت الذهاب للصالة الرياضية والتمرن لـ عشرة دقائق يومياً، بعد مرور إسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من الاستمرارية في النشاط ستبدو العشر دقائق إعتيادية، وخفيفة على الجسم مما يحفز على زيادة الوقت، والجهد، هذا بالإضافة لما يسمى بتأثير العائد المركب، وهي النتائج القليلة التي تحفز بدورها للمزيد، والتي تدفعك لأداء المزيد من العمل.
أرأيت الآن … ؟ ففلسفة القليل الدائم ليس في الحث على الاستمرارية في أداء القليل، بل في تحفيز العقل على البدء فقط، ومن بعدها ستستمر بزيادة الجهد للوصول لنتائج على المدى الطويل .
إن الحديث لا يعول على القليل في نفسه، بقدر تعويله على استمراريته، ولا ينتقص من الكثير إلا لإنقطاعه.
لكنّ تجربة طويلة المدى لنشاط محدد لابد أن تثمر الكثير من الصبر على الممارسة والإتقان.
وتذكر عزيزي القارئ أن الإخفاق والوصول عموماً هما محصلتي الأفعال و السلوكيات التي نكررها يومياً، لذا كن متيقظاً لما تفعل، وتساءل: هل ستقودك أفعالك إلى الصورة التي تسعى لها، أم إلى هاوية السقوط ؟!
3- نحن عاديون .. بسطاء، سعداء!
في عالم اليوم باتت تترسخ لدينا مفاهيم عديدة عن احتمالية تحقيق كل شئ، وتلك الفكرة رغم ماتحمله من براحة في الأمل إلا أنها سلاح ذو حدين في اعتقادي .
إذ كونك تعيش في عالم يمكنك فيه تحقيق كل شئ وأنت لم تحقق سوى القليل، لابد أن يفضي هذا لإحباط شديد المدى.
في أحد مقابلاته، يتحدث “آلان دو بوتون” عما يمت لهذه الإشكالية بصلة قائلاً: “لو دخلت اليوم بأحد المكتبات ستجد مئات الكتب على الرف، التي تتضمن في محتواها كيف تصبح مليونيراً في المساء، بينما على الرف الآخر كتب أخرى تتحدث عن “كيف تتعامى عن النظرة الدونية للذات” وكلاهما مرتبطان.
فإذا كنت في ثقافة تخبرك بأنه يمكنك ان تصبح مليونيراً في المساء، لابد من أنه ستكون لديك مشكلة هائلة في تقدير الذات صباح اليوم التالي.
وتتفاقم المشكلة بتدني التقدير بإحساسك ضمن الغالبية التي تحيا حياة عادية، ورغم أننا صنعنا حياة عادية تعتبر من الناحية المادية أكثر راحة من العصور السابقة، لكن وبصورة ما لم تعد كافية للبعض.
لقد افسدنا تلك الحديقة حينما أطلقنا الثعبان يعوث فيها، حينما أصبحنا أسرى الإستعراض الإسفيري لمظاهر الترف، والادعاء، لذا لم يعد الناس يرضون بما هم عليه مهما كان جيداً.
للملاحظة، أنا لا أدعو هنا للتخلي عن الطموح، والركون للقناعة والرضا بالحال، لكني وبصورة أبسط لا أريدك تقع فريسة لمغالطة الإنحياز للناجين “Servivership Bias”، بل تذكر شيئاً واحداً ، أن تراهن على سعيك واجتهادك، لا على النتائج ومآلات الأمور.
وبقدر بساطة حياتنا وما نحن عليه، فإن هذا وحده كاف للغاية.