هل تنقذ «الكسافا» البشر من الغرق فى مستنقع البلاستيك ؟!
سردية يكتبها د. محمد ابراهيم بسيوني
تاريخ معرفة البشر لـ “البلاستيك”.. تبدأ مع إنتاج أول مادة له في المختبرات في القرن الـ19، وفي مطلع القرن الـ20 تم ابتكار مادة الباكليت التي تعد سهلة التشكيل والصب، وفي عام 1929 تم تطوير مادة البوليستيرين، وظهر النايلون في عام 1935، وتم اخترع البولي إيثيلين في عام 1941، واستمرت الابتكارات تتصاعد من عقد إلى عقد حتى أصبح من الصعب معرفة، أو حصر المركبات الكيميائية التي تسمى اليوم البلاستيك.
ثورة البلاستيك:
واسم “البلاستيك” أصبح يطلق بين العموم على كل مادة يمكن تشكيلها وصبها بسهولة، كما أن منتجاتها تدخل في الاستهلاك اليومي المباشر، أو مدخلات لتصنيع منتجات أخرى.
وهذا التنوع الكبير في الشكل والاستخدامات شكل ثورة البلاستيك الأولى التي طغت على شكل من أشكال الحضارة الإنسانية الراهنة.
طالع المزيد:
-
مذهلة.. سيرة ومهارات أليكسيا بوتياس أفضل لاعبة كرة قدم فى العالم 2021| شاهد
-
القاهرة الساحرة.. السيرة والمسيرة
لكن ما كان يعد مفخرة للحضارة الإنسانية المعاصرة قد أصبح اليوم عدوها الأول، ذلك أن الإفراط في استخدام هذه المادة في كل مناحي الحياة، مع الجهل الواسع بين كثير من البشر، وغياب الثقافة حول المركبات الداخلة في هذه المنتجات وتأثيراتها، وعدم درايتهم بالاحتياطات الواجب اتخاذها عند استخدام هذه المركبات، أو بعد استخدامها، قد تسبب في حدوث أنواع مختلفة من التلوث البيئي بالنظر إلى حجم التنوع الكبير من المواد التي تدخل في تركيب هذه المنتجات البلاستيكية، وبمستوى الإفراط في الاستخدام.
المكونات
البلاستيك مادة تصنع من الوقود الاحفورى (الفحم والبترول والغاز) وهذه المادة أصبحت تمثل مشكة كبيرة جدا دفعت كثيرين إلى محاولة إيجاد حلول لها هي مشكلة التلوث البلاستيكي، ففي كل عام تجد ما لا يقل عن ثمانية ملايين طن من البلاستيك طريقها إلى المحيط، أي ما يعادل إلقاء محتويات شاحنة لجمع القمامة في المحيط كل دقيقة.
خطر على الأحياء البحرية والطيور
وتموت الأحياء البحرية والطيور بسبب أكلها للبلاستيك أو تشابكها معه، كما أن البلاستيك يتحلل في المحيط ويتحول إلى قطع بلاستيكية دقيقة بما يكفي للتسلل إلى السلسلة الغذائية.
ولا يتم جمع سوى 14% فقط من العبوات البلاستيكية لتخضع لعملية إعادة التدوير في حين أن معظم العبوات البلاستيكية تستخدم لمرة واحدة فقط قبل التخلص منها.
إضافة إلى ما سبق فإن 95% من قيمة مواد التغليف البلاستيكية التي تراوح بين 80 و120 مليار دولار سنويا تضيع على الاقتصاد.
الحل
وجد بعض العلماء الحل فى “الكسافا”.. نعم نبات الكسافا، وهو نوع من الخضروات الجذرية التي يتم تناولها على نطاق واسع في البلدان النامية.
ويوفر هذا النبات بعض العناصر الغذائية مثل النشا المقاوم، والذي له فوائد صحية هامة، فهو نبات جذري نشوي له نكهة شبيهة بنكهة الجوز، وموطنه الأصلي هو قارة أمريكا الجنوبية ويعتبر مصدر رئيسي للحصول على السعرات الحرارية والكربوهيدرات في البلدان النامية.
ويزرع في المناطق الاستوائية من العالم بسبب قدرته على تحمل الظروف الصعبة للنمو، وهو واحد من أكثر المحاصيل مقاومة للجفاف.
وفي الولايات المتحدة، يطلق عليه اسم يوكا Yuca، كما يشار إليه باسم مانيوك Manioc أو الجذر السهمي البرازيلي Brazilian arrowroot.
ويعد الجذر أكثر الأجزاء التي يتم استهلاكها من نبات الكسافا، كما أنه متعدد الاستخدامات، ويمكن أكله بعد الطهي كاملا أو مبشوراً أو مطحوناً كدقيق لصنع الخبز والبسكويت.
وبالإضافة إلى ذلك، تشتهر جذور الكسافا بأنها المادة الخام المستخدمة لإنتاج نشا التابيوكا Tapioca وطحين الجارى Garri، وهو منتج مشابه للتابيوكا.
وعادة ما يستفيد الأفراد الذين يعانون من الحساسية الغذائية، من استخدام جذور الكسافا في الطهي والخبز لأنه خالي من الجلوتين، والحبوب والمكسرات، لكن يجب الانتباه لأمر واحد على قدر كبير من الأهمية، وهو أنه يجب طهي جذور الكسافا قبل تناولها، حيث من الممكن أن تكون الجذور النيئة سامة.
ويحتوي الكسافا على كمية قليلة من العناصر الغذائية الأساسية، حيث تحتوي كمية مقدارها (100 جرام) من جذور الكسافا المغلية، على 112 سعراً حرارياً، ونسبة 98 % منها من الكربوهيدرات، والنسبة الباقية من البروتين والدهون، كما يحتوي على ألياف غذائية، بالإضافة إلى قدر قليل من الفيتامينات والمعادن.
وتمثل المواد الغذائية التالية، الكميات الموجودة في (100 جرام) من جذور الكاسافا المسلوقة :
– السعرات الحرارية: 112 سعر حراري.
– الكربوهيدرات: 27 جرام.
– الألياف: 1 جرام.
– الثيامين: 20 % من RDI (الجرعة الموصى باستهلاكها يومياً).
– الفوسفور : 5 % من RDI.
– الكالسيوم: 2 % من RDI.
– الريبوفلافين: 2 % من RDI.
كما أن جذور الكسافا المسلوقة تحتوي أيضا على كميات صغيرة من الحديد، وفيتامين (جـ)، والنياسين.
وبوجه عام، يعتبر الكسافا من الأغذية التي توفر بعض الفيتامينات والمعادن، بكميات ضئيلة. خاصة وأن هناك العديد من الخضروات الجذرية الأخرى التي يمكن تناولها والتي ستوفر المزيد من العناصر الغذائية مثل البنجر والبطاطا الحلوة، على سبيل المثال لا الحصر.
تقلل معالجة الكسافا عن طريق التقشير والتقطيع والطهي، بشكل كبير من قيمته الغذائية. وذلك لأن العديد من الفيتامينات والمعادن يتم القضاء عليها في خلال المعالجة، وكذلك معظم الألياف والنشا، يحتوي الكسافا على نسبة عالية من النشا المقاوم، وهو نوع من النشا الذي لا يتم هضمه، وله خصائص مشابهة للألياف القابلة للذوبان. تناول الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من النشا المقاوم قد يكون لها فوائد عديدة للصحة العامة.
أولا: يعمل النشا المقاوم على تغذية البكتيريا النافعة في الأمعاء، مما قد يساعد على تقليل الالتهاب وتعزيز صحة الجهاز الهضمي.
كما تمت دراسة النشا المقاوم لقدرته على المساهمة في تحسين الأيض الغذائي والحد من مخاطر السمنة، والنوع الثاني من مرض السكري.
ويرجع ذلك إلى قدرته على زيادة السيطرة على نسبة السكر في الدم، بالإضافة إلى دوره في زيادة الشعور بالامتلاء وتقليل الشهية.
أما العيوب الرئيسية في نبات الكسافا هو احتوائه على مضادات التغذية، وهي عبارة عن مركبات نباتية قد تتداخل مع عملية الهضم وتمنع امتصاص الفيتامينات والمعادن في الجسم.
وهذا لا يعتبر مصدر قلق بالنسبة لمعظم الأشخاص الأصحاء، ولكن يجب أخذ الآثار المترتبة بعين الاعتبار، حيث يعد الأفراد المعرضين لخطر سوء التغذية الفئة الأكثر تأثرا من هذا العيب.
وتوقعت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “FAO” بأن يكون نبات الكسافا أو ما يطلق عليه “المنيهوت” والذى تعتبره غذاء الفقراء إلى محصول للقرن الحادى والعشرين فى ظل الارتفاع الكبير فى أسعار الحبوب خاصة القمح، وإمكانية تحويله لدقيق عال الجودة.
نموذج جديد
وانتهت “الفاو” لوضع نموذج جديد للتوسع فى زراعة ذلك المحصول والاستفادة منه فى مواجهة انبعاث كميات إضافية من عوادم الغازات المسبِّبة للاحتباس الحرارى والمسئولة عن تغير المناخ.
ويأتى نبات الكسافا بعد الذرة صفراء كمصدر للنشا، كما تعتبر الأصناف المطورة حديثاً منه نشا جذرياً ذا نوعية يقدر أن تتهافت عليها الجهات الصناعية لجودتها، كما يتواصل نمو الطلب على محصول الكسافا بسرعة كمادة “إلقام” لإنتاج وقود “الإيثانول” الحيوى.
كما يمتلك هذا المحصول، قدرات تحمل ومرونة عاليتين ضمن المحاصيل الأساسية الكبرى فى أفريقيا، ومن المتوقع أن يكون من بين أقلها تضرراً جراء التغير المتواصل فى المناخ.
أكياس من الكسافا
والآن نستطيع أمن نكشف أن إحدى الشركات في إندونيسيا صممت أكياسا بلاستيكية صديقة للبيئة للغاية لدرجة أننا نستطيع أكلها، هذه الأكياس مصنوعة من الكسافا، حيث قامت شركة “أفاني إيكو” الواقعة في مدينة بالي بتصنيع أكياس تقول عنها إنها تبدو كأنها بلاستيكية، لكنها قابلة للتحلل تماما والتحول إلى سماد.
وهذه الأكياس تذوب أيضا في الماء لذلك إذا أكلتها الحيوانات فلن تسبب لها أي ضرر، وتؤكد الشركة إنها آمنة للغاية بالفعل لدرجة أن البشر يمكنهم أكلها.
وتعاني إندونيسيا مشكلة تلوث بلاستيكي هائلة، حيث تخنق القمامة البلاستيكية الأنهار وتغتال الشواطئ التي كانت بكرا فيما مضى. وعبر عن ذلك كيفن كومالا كبير مسؤولي البيئة في الشركة بقوله: “إن دولتنا تغرق في البلاستيك”.
وقد تفاقمت هذه المشكلة لدرجة أن الجيش خضع لتدريبات للمساعدة على إزالة النفايات البلاستيكية لكنها حرب ضروس فكلما أزال بعض النفايات ظهر المزيد منها.
الغرق فى النفايات
وتغرق منطقة جنوب شرقي آسيا في النفايات البلاستيكية. وهو وضع يعني أن الشواطئ في بالي وبطون المخلوقات البحرية على حد سواء تمتلئ بالنفايات البلاستيكية.
ويتطلع رجل أعمال إندونيسي إلى حل هذه المشكلة عن طريق استخدام الكسافا ذلك المحصول الغذائي سريع النمو وغير المكلف، لصناعة أكياس تسوق بلاستيكية من نوع جديد.
وبدأ بالفعل كيفن كومالا دراسة صناعة البلاستيك الحيوي بعد أن جلس يوما ما، هو وصديق له في حانة يراقبان حركة المرور أثناء عاصفة ممطرة، وفجأة أدرك أن السترات البلاستيكية الرخيصة التي يرتديها راكبو الدراجات النارية ستستخدم في أحسن الأحوال لمرات معدودة قبل التخلص منها، في حين أنها لن تتحلل أبدا، وذلك أنه ما لم يتم حرقها فإن كل البلاستيك الذي استخدمناه سيظل معنا في مكان ما.
وفي المناطق الساحلية مثل إندونيسيا، غالبا ما تجد النفايات البلاستيكية الخفيفة طريقها إلى البحر.
وعلى الرغم من فداحة ما ذكرناه فالأسوأ من ذلك أن هذه النفايات البلاستيكية تشكل خطرا على الحيوانات البحرية، ثم تشق طريقها العكسي وترتد إلينا عبر السلسلة الغذائية.
المنقذ
وأسس كومالا شركة أفاني إيكو، وهي شركة بدأت في إنتاج عباءات مطر بديلة مصنوعة من البلاستيك الحيوي.
وعلى عكس النوع المعتاد من البلاستيك المصنوع من البتروكيماويات الذي يتطلب استخدام النفط أو الغاز الطبيعي كمواد وسيطة، تعتمد المواد البلاستيكية الحيوية على المواد المتجددة مثل الذرة وفول الصويا، أو في هذه الحالة الكسافا والزيت النباتي.
وتشعبت الشركة وتوسعت لتتجاوز صناعة العباءات وأصبحت الآن تصنع الأكياس البلاستيكية الجديدة، وتم تصميم أكياس الكسافا هذه لتتحلل على مدى عدة أشهر عند تعرضها لعناصر التحلل، وهي أيضا تذوب بسرعة في الماء الساخن.
وقد برهن كومالا على الخصائص غير السامة لهذه الأكياس، بإجراء تجربة على نفسه، قام فيها بإذابة الأكياس في الماء وشرب المحلول الناتج، عن ذلك أمام الشهود.
شاهد فيديو خاص بالموضوع :