د.علي عبد الله يكتب: الإبراشى وإحياء الموتى

لم تتعدى علاقتى بالإبراشى علاقة ضيف بمذيع فى عدد من اللقاءات والمداخلات ومكالمات هاتفية شخصية معدودة، كان رحمه الله إعلاميا فذا ومستفزا بارعا لضيوفه لاخراج كل ما لديهم، ولم اكن أعلم كم تأثرى بوفاته هذا التأثر كما ملايين من متابعه.

وقد يكون لطريقة انسحابه من هذا العالم بدرجة من الإثارة التى تدعونا إلى التأمل فى نهاية رحلة لإعلامى ناجح من كرهه تمنى لقاءه ومن حقد عليه تمنى مكانه.. رحم الله الإبراشى.

والسؤال الذى طرحه البعض منا.. من قتل الإبراشى ؟

السؤال هنا ليس فى محله، فليس هناك من الأطباء من يتعمد قتل مريضه بل يتمنى شفاءه طمعا وأملا فى مزيد من النجاح والشهرة.. وهكذا كثير من الأطباء، خاصة من الشباب الذين يعانون من سوء أوضاعهم فى المستشفيات فيهجروها .

لكن زاد معدل السرع والصرع والصراع والطمع فى المجال الطبى على المزيد من الأرباح فى الاَونة الأخيرة زياده ملحوظة، فتعلموا الاتجار فى المرضى ولم يكتفوا بمقابل فحصهم لمرضاهم بل تطور الأمر تقاسم رزق معامل التحاليل والأشعة والعلاج الطبيعى والصيدليات وشركات الأدوية، وأصبح بيع الأدوية فى العيادات من الظواهر مرخص وغير مرخص صالحا أم فاسدا، ومن المعلوم أن دواء السوفالدى والدكلانزا قد اغرق عيادات الباطنة والكبد، ومن الصعب أن تجده فى مكانه الطبيعى فى الصيدليات، وتتسابق الشركات الفاسدة فى كيفية إفساد أخلاق الطبيب لدفعه دفعا لكتابة دواها دون غيره ومن (دولاب أو درج مكتبه)، وبالطبع يميل الطبيب إلى ما لديه من أدوية.

وقد كشفت أزمة كورونا بعض من هذه الكوارث، فقد تم وصف مضادات حيوية لـ 74% من مرضى كورونا، أى أن المستحق منهم لم تزيد نسبتهم عن 19% مما سيزيد من كارثة مقاومة البكتريا للمضادات الحيوية، مما سيرفع عدد حالات الوفاة والذى قدر بـ10 مليون عام 2050، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، وذلك قبل جائحة كورونا، كذلك كتابة الكورتوزونات دون حاجة وفى توقيت غير دقيق ومضادات التجلط دون متابعة تحاليل السيولة والتجلط.

وهنا ردى على أعضاء البرلمان الذين ينادون بعدم صرف الدواء إلا بوصفة طبية، لكنهم ليسوا صافى النية فمعظم الكوارث تأتى من الوصفة الطبية وضحاياهم بالملايين ومليارات الدولارات من الإنفاق الصحى لعلاج الأخطاء .

وليس معنى هذا أن نترك صرف الدواء لكل من هب ودب وفى كل مكان من تطبيقات ونحوه، فالأصل فى صرف الدواء هو القيد وليست الحرية المطلقة، فالذى يوصف الدواء هو الطبيب كل حسب تخصصه، والصيدلى حسب ما قرر له، ولا يصرف إلا من الصيدلية، ولكن لم يتطرق البرلمان إلى شكل ومضمون الوصفة (الروشتة) وحدود كاتبها ومسؤلية صارفها .

الروشته يا ساده لابد أن تخرج من اتحاد المهن مسلسة ومدموغة، ويدفع كل طبيب ثمن كل واحدة لاتحاد المهن ليصب فى صالح دعم الشباب من الأطباء مدون على كل روشتة بيانات الطبيب، وحالة المريض وعند الصرف من الصيدلية يتم توقيع الصيدلى وختم الصيدلية، إقرارا بالمسؤلية المتضامنة مع الطبيب وللمريض الرجوع إلى كلاهما فى حالة الضرر والخطأ ومعه فاتورة من الصيدلية إن أراد معتمدة ومدمغة من اتحاد المهن.

وعلى نقابة الأطباء التنازل عن الإرث الفكرى القديم وهذه العنصرية المهنية، وعلى نقابة الصيادلة الدفع بأعضائها نحو تحمل مسؤلية صرف الدواء جنبا إلى جنب مع الطبيب، وعلى المريض أن يختار بثقافة إلى أى من الأطباء والصيادلة يتوجه.

وقد تكون وفاة الإبراشى إحياءا لموتى كانوا ينتظرون دورهم فى عشوايية كتابة الدواء، إن لم نتدخل لتحديد المسؤليات.

————–


د.علي عبد الله

مدير المركز المصرى للدراسات الدوائية والاحصاء ومكافحة الإدمان

زر الذهاب إلى الأعلى