د.علي عبد الله يكتب.. الفهلوة فى عالم الدوا

(احنا الى دهنا الهوا بويا وعبينا الهوا فى أزايز ).. شعار الفهلوية التاريخى ولكن هذا قديما..  إنما لابد ونحن فى عصر الانترنت أن نتطور لنواكب عصر التكنولوجيا.. وفى زمن حمو بيكا ونمبروان فلا حاجة للاجتهاد وتحصيل العلم.. فالوصول إلى عالم الشهرة والمال أصبح له طرق اخرى ولو كانت على حساب الثوابت والذوق العام وحق الدولة.. والأهم حق المريض فى الدواء الفعال والامن الذى يداوية لا يرديه.

اقرأ أيضا.. د.علي عبد الله يكتب: الإبراشى وإحياء الموتى

وقد أدى ما يعرف بالتطبيقات الإلكترونية فى المجال الطبى التشخيصى أى ما يعرف بـ( التطبيب عن بعد) أو الـ telemedicine إلى نتائج كارثية فى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك نتيجة تشخيص خاطئ لحالات كثيرة من المرضى، وقد مثلت عدوى الجهاز التنفسى ومنها الكورونا 75% من الوصفات الخاطئة.

ودواء من كل ثلاثة لم يكن فى موضعه الصحيح؛ لصعوبة التشخيص عن بُعد ورؤية علامات على وجه وجسد المريض قد يصعب على المريض التعبير عنها، خاصة في الأطفال دون السنتين، وهم من تحملوا القسط الأكبر من الاَثار الجانبية للدواء من حساسية وإسهال ونحوه.. كما كلفت الدولة 20 مليار دولار على الرعاية الصحية و35 مليار دولار من الإنتاجية.

وإذا تحدثنا هنا عن تطبيقات الدواء فلن نتحدث فقط عن مخالفات مهنية وأدبية وقانونية، بل إلى مثال صارخ للنصب والاحتيال و الالتفاف على القانون وحق الدولة، والأهم حق المريض فى التداوي الامن والفعال والاستشارة وحمايته من الأخطاء الطبية .

التطبيقات الوهمية (صيدليات اون لاين ) أو اللهو الخفى قد استدارت عن الشروط الصحية والفنية والقانونية لفتح صيدلية، من حيث المساحة ونسبة التهوية والارتفاع والصرف الصحى وشروط التخزين والمسافة البينية بين كل صيدلية؛ لضمان التوزيع العادل، والصيدلي الصاحب والذى اجتاز ست سنوات من الدراسة النظرية والعملية والتدريبية وقد حلم دائما بتحقيق حلمه وبتفوقه بممارسة مهنته فى التخفيف عن اَلام مرضاه، والصيدلي المدير المسئول عن أى خطأ لأى مريض، والذى لابد أن يقدم أوراق تثبت حسن سيره وسلوكه، وقد ادى القسم المهنى، مما أوصل سعر المحال التى تصلح لترخيص صيدلية إلى ملايين الجنيهات، فإذا نجح الصيدلى فى الترخيص كان لزاما عليه فتح ملف ضريبي وتأميني على العاملين ثم يأتي التفتيش الصيدلى ليراقب الممارسة المهنية الصحيحة وصلاحية الأدوية وملائمة وصحة صرف الأدوية المخدرة والمؤثرة على الحالة النفسية للمرضى.

ومن المعروف أن للأدوية المُخدرة شروطا لحصول الصيدلية عليها ونظاما لصرفها للمرضى طبقا لوصفة (روشته) ذات طابع قانونى خاص جاز للصيدلى أن يتجاوز عن ذلك متحملا المسؤلية إذا كان المريض قد نسى الوصفة وهو مريض مسن على سبيل المثال لا يستطيع العودة للمنزل لإحضار الوصفة، وجاز له أيضا أن يخالفه فى حالة عكسية برفضه للصرف فى وجود وصفة سليمة قانونا، لكنها تفتقر إلى السلامة المهنية، من حيث عدم ملائمتها للمريض أو إساءة استخدامه لهذه الأدوية، وما يترتب عليها شخصيا ومجتمعيا أو سرقة هذه الوصفات من الطبيب أو طباعتها دون علمه أو اتجار الطبيب نفسه فى وصفاته.

ونقول إذا كان للقانون روح فإن للممارسة المهنية أرواح، وإذا حدثت المخالفات جاز توقيع أقصى العقوبة التى تصل إلى إلغاء الترخيص، إلا أن فهلوية المتربصين وعيونهم فقط تتجه إلى الشق التجارى الربحى ولو على حساب صحة المرضى، متعللين بعلل وهمية قد التفوا على كل ذلك وأصبحت إعلاناتهم جهارا نهارا على وسائل الإعلام، يخرجون ألسنتهم للدولة وكأنهم يقولون لا داعى لا للعلم ولا للقانون ونعم للفهلوة، لا قيود على الأدوية المغشوشة ولا المسروقة ولا المسربة من المستشفيات الحكومية، ولا تصحيح للأخطاء ولا المفاهيم الطبية المغلوطة.

وفى حادثه قريبة تم سرقة أدوية بـ330 مليون جنيه من إحدى شركات الأدوية.. والسؤال هنا أين ذهبت وكيف نقلت وخزنت ثم بيعت للمرضى ؟ علما بأنه لزاما على كل صيدلية مُرخصة الاحتفاظ بفواتير الشراء، فإذا هم “دهنوا الهوا بويا وعبوا الهواء فى أزايز من خلال الفهلوة فلا تجوز الفهلوة فى عالم الدوا”.

————–


د.علي عبد الله

مدير المركز المصرى للدراسات الدوائية والاحصاء ومكافحة الإدمان

زر الذهاب إلى الأعلى