حكايات بمنطقة الفواخير
كتب: إسلام فليفل
إذا خرجت عزيزي المواطن من بيتك، وقمت باستقلال المترو المتجه في نهاية مساره إلى حلوان، فكر كثيرًا في النزول بمحطة “مارجرجس” لزيارة قرية “الفواخير” الواقعة بمنطقة مصر القديمة، والتي لا تعد بالمعنى التقليدي قرية زراعية يضع فيها الفلاحون بذورهم في أرضها كي تنبت لهم محصولًا، بل هي قرية تتمتع بلقطات سياحية خلابة تعكس جانبا من تاريخ مصر، ومناظر تسر المقبلين عليها من كل حد وصوب.
تضم “الفواخير” أناس تشعر بينهم أن آلة الزمن قد عادت بك إلى الوراء وتوقفت في العصور الفائتة، فهؤلاء لا يزالون يعملون بأيديهم طوال الوقت بعيدًا عن صخب الماكينات الضخمة المزعجة، يقاومون المعاناة ويتحملون مرارة الحرارة الشديدة أمام الأفران، مؤمنين أن الإنسان بفكره ومهاراته هو من أبدع وابتكر، وأن أصابعه كالذهب تحمل في طياتها قيمة عظيمة تتحول من خلالها المادة إلى منتجات تجذب العيون، لذلك فمفهوم التعليم بالنسبة لهم هو ما يعكسه المثل الشعبي القائل “العلم في الراس مش في الكراس”.
في قلب ورشة تصنيع الأشكال الفخارية كان حديثنا إلى قائد المهنة السبعيني العم فاروق جمال، الذي قال أن بدايته مع صناعة الفخار كانت في الثامنة من عمره، ثم تدرج فيها حتى وصل إلى مراحلها الأخيرة، مشبهًا إياها “بالملاذ الأخير له في الحياة”، وأضاف أن الحظ لم يحالفه في المدرسة، وأنه حاول جاهدًا في صغره أن يوفق بينها وبين صنعته المفضلة، لكنه فشل في النهاية، واختار أن يكون صانعًا للفخار.
وأشار إلى أن التعليم في مصر يعاني من داء الضعف والإهمال خلال السنوات التي مضت، وأنه يحمد الله على احترافه في صنعته أفضل مما كان سيصبح عليه لو أكمل تعليمه.
عم ربيع عطية، الرجل الخمسيني، الذي يدين بالفضل بنسبة كبيرة لمهارته في الصناعات الفخارية للعم فاروق، ويعتبره الأب الروحي للمهنة، مضيفًا أنه ورث مهنته عن أجداده، وأنها تحتاج إلى “خفة الحركة”، والدقة والإبداع المتمثل في تشكيل الطين وتحويله إلى أشكال مختلفة، لافتا إلى ان حرفة الفخار واسعة ومتشعبة في تخصصاتها المختلفة بالضبط كالأقسام الدراسية في الجامعة، وعن تركه للتعليم قال عم ربيع: “تركت المدرسة من أجل عيون هذه الصنعة، وركزت في تنمية موهبتي في عالم الفخار”.
عم رجب الفران، الإبن الثالث للحرفة بخبرة عمرها ثلاثة عشر عامًا، يثبتها عرقه المنهمر من وجهه وصدره وملابسه، فيقول: “أنا بساعد الأسطى في الألوان”، شارحاً لنا آلية عمله بسلاسة: “بنجهز الفخار لعملية الحريق، وبنجهز الألوان، وننظف الشغل، والمطاعم بتطلب الأطباق مننا”.
وأشار إلى أنه لم يكمل تعليمه بسبب الظروف المادية السيئة، وأن المهنة ساعدته كثيرًا في الكسب الحلال قائلًا: “أنا جوزت بنتى وولادي الإثنين من الشغلانه دي”، وأضاف أن أصحاب الشهادات حاليا يعانون من فقر الحصول على وظيفة.