الربيع رحيمة إسماعيل يكتب: ومن حرم الكلام في الحب؟ قراءة في الحب للشيخ علي الطنطاوي

إذا شئتم أن تذوقوا أجمل لذائذ الدنيا، وأحلى أفراح القلوب، فجودوا بالحب وبالعواطف كما تجودون بالمال.
علي الطنطاوي و أنا أكتب عن الطنطاوي يتملكني الحنين شوقاً لتلك التي قد أكتشفت فيها كتبه و كم كنت مولعاً بأدبه الجم الرصين و طرحه الهادئ حرفاً و عمقاُ.
وبذات الحب يسرني أن أورد كلماته عن الحب وفق منظور فلسفي اعمق، قد لا يستطيع القارئ أن يقف على أبعاده ومراميه، أو أن يفقه جوانبه المختلفة من خلال نظرة واحدة، أو قراءة عابرة لنتاجه الذي فلسف فيه هذه العاطفة المتجذرة في نفوس البشر التي ينعتها بقوله :
“الحب عالم من العواطف ، ودنيا من الشعور، فيها كل عجيب وغريب”.
ما أروع ذاك الإستهلال و ما أبسط تلك الكلمات و أدقها في وصف ذاك الشعور!.
ثم تراه و على عكس السائد لدى الشيوخ لا يرى حرجاً في التعبير عن الحب، بل و يرى أنه من التزمت الشديد أن ننهى الناس عن التعبير عن عواطفهم، أو أن نحول بينهم و بين ما يختلج في جوانحهم بحجج واهية لا تقوم مقام الدين.
يروي قصة حدثت له مع أحد الشيوخ قائلاً:
“قال لي شيخ من المشايخ المتزمتين وقد سقط إليه عدد من (الرسالة) فيه مقال لي عن الحب: “ما لك والحب وأنت شيخ و قاض، وليس يليق بالشيوخ والقضاة أن يتكلموا في الحب وأن يعرضوا للغزل ؟! .. فضحكت وقلت له : “أما قمت مرة في السحر، فأحسست نسيم الليل الناعس، وسكونه الناطق، وجماله الفاتن، فشعرت بعاطفة لا عهد لك بمثلها، ولا طاقة لك على وصفها ؟!.
أما سمعت مرة في صفاء الليل نغمة عذبة من مغن حاذق قد خرجت من قلبه، فهزت منك وتر القلب، ومست حبة الفؤاد؟!.
أما قرأت قصة من قصص الحب أو خبرا من أخبار البطولة، فأحسست بمثل النار تمشي في أعصابك، وبمثل جناح الطير يخفق في صدرك ؟!.
أما رأيت في الحياة مشاهد البؤس ؟!.
أما أبصرت في الكون روائع الجمال ؟!.
من الذي يصف لذاذاتك وآلامك، وبؤسك ونعمائك ؟!، لن يصورها اللغويون ولا الفقهاء ولا المحدثون !! كل أولئك يعيشون مع الجسم والعقل محبوسين في معقلهما.. لا يسرحون في فضاء الأحلام، ولا يوغلون في أودية القلب، ولا يلجون في عالم النفس، فمن هم أهل القلوب؟!.
إنهم الشعراء يا سيدي !! وذلك هو الشعر ! ومن أين عرفت أن العلماء قد ترفعوا عنه والكتب مملوءة بالجيد من أشعارهم في الحب والغزل ووصف النساء ؟!!.
و في تصريح صريح في مقام آخر يقول: “و من حرم الكلام في الحب؟ ما في الحب شيء ولا على المحبين من سبيل، إنما السبيل على من ينسى في الحب دينه، أو يضيع خلقه، أو يهدم رجولته، أو يشتري بلذة لحظة في الدنيا عذاب ألف سنة في الآخرة”.

اقرأ أيضا للكاتب:

– الربيع إسماعيل يكتب: معرفة الذات بين الأنا «الذاتية» و الآخر

الربيع الرحيمة إسماعيل يكتب: ثلاثة دروس من ثلاثين كتابا

زر الذهاب إلى الأعلى